جربة: الفساقي جزء من تراث في إدارة المياه وعنصر مهم في التراث المعماري للجزيرة

الفساقي بجزيرة جربة قصة ضاربة في القدم حكاية انسان صنع لنفسه أساليب حياة للتاقلم مع المناخ ومع الطبيعة والتعايش مع الجفاف وليقي نفسه خطر العطش، في جزيرة تتميز بشح مائي في مناخ جاف وشبه جاف وهي اليوم تثبت انها وسيلة هامة لمواجهة التغيرات المناخية استنادا الى حلول طبيعية .

تاريخيا ابتكر أهالي جزيرة جربة منذ القدم الفساقي كتقنية لتجميع المياه لا تشبه النموذجي التونسي المشهور كفسقية الاغالبة بالقيروان بل هي بناء تحت ارضي بمثابة صهريج واسع يخزن به الماء الذي ينزل عبر قنوات فخارية من اسطح البناء التي تعتمد عند تسطيحها درجة ميلان مدروسة.

وحسب الباحثة في علوم التراث روضة الحمزي فان السكان الأصليين لجزيرة جربة ابتكروا الفساقي كطريقة في حسن التعامل مع الطبيعة الجافة وللمحافظة على الماء ضمانا لديمومتهم مشيرة الى ان الحفريات كشفت ان الفساقي بالجزيرة وجدت منذ العهد الروماني وتواصلت الى حلول العهد الإسلامي وتاثرت  بالمذهب الاباضي وخاصة في نظرته الى الماء وقداسته من منطلق قوله تعالي "وجعلنا من الماء كل شيئ حيا" لتبنى الفساقي بالمساجد مضطلعة بعدة أغراض ووظائف.

ولفتت المتحدثة الى ان وجود الفساقي بالمساجد والجوامع يأخذ اكبر حيز منها حيث لا تمثل بيت الصلاة سوى ثلث البناية الدينية فيما تستاثر الفساقي ببقية المساحة مشيرة الى اختلاف دور الفساقي باختلاف دور الجامع او المسجد وموقعه بالجزيرة .

وفي هذا الاطار ابرزت الباحثة في التراث ان الجربي  استعمل الفساقي كوسيلة دفاع لذلك لم يضع في ما يعرف بجوامع الشاطئ سوى فسقية واحدة في وسيلة لمحاربة العدو الوافد من البحر وذلك بتعطيشه حتى لا يتقدم والامثلة على ذلك كثيرة سواء في جامع سيدي يأتي او سيدي سالم او سيدي جمور الذي لاحقا تم إضافة فساقي به.

وأضافت ان مساجد المعاقل وهي السلسلة الثانية من المساجد بجزيرة جربة  يحاط بها عدد كبير من الفساقي حتى توفر الماء لكل من احتمى بها على غرار جامع فضلون وجامع مدراجن وغيرها بعدد لا يقل عن 6 فساقي بالجامع الواحد  اما بمساجد المدارس مثل جامع أبو مسور او جامع سيدي سفيان فتعد اكثر من 12 فسقية وذلك لتامين الماء للوضوء وللطلبة وعابري السبيل.

وربطت هذه الباحثة تركيز الجربي في جانب ما على بناء الفساقي بالجوامع بقدسية ماء الجامع في شكل اخر من المحافظة على الماء وعدم تبذيره واحكام استعماله فقط لاسداء حاجة ضرورية للجربي دون ضياع.

اما في العمارة السكنية والاقتصادية فتظل الفساقي مكونا يحضر بامياز في هذه البنايات اقتصاديا توجد الفساقي بمحلات النسيج والحياكة وبمعاصر الزيت والمخابز وبورشات الفخار وهي، الأنشطة الاقتصادية الأبرز  اما في المباني السكنية فللفسقية مكانتها وهندستها وموقعها المدروس الذي تحافظ به على برودة مائها.

ويسبق بناء الفسقية البناية السكنية اذ من ترابها وحجرها يتم الانطلاق في بناء المسكن او الحوش وفق التسمية الجربية ومع ذلك تبنى فسقية في كل حومة تسمى بفسقية السبيل تكون لعابري السبيل تضاهي الحجة في مخيال الجربي يضعها صدقة جارية..

وابرزت المتحدثة ان للماء قدسية لدى الجربي قديما وهو هوية وتراث  وفلسفة تتجلى في عدة اشكال ومظاهر فالماء له أدوات خاصة لنقله ولشربه وحفظه تضاف الى الهندسة المعمارية الخصوصية للفساقي وموقع تركيزها اذ لم تبنى الفساقي اعتباطيا بل هي جزء من تراث  في إدارة المياه  وعنصر مهم  في التراث المعماري للجزيرة تبرز نمطا معماريا مميزا .

واستاثرت الفساقي باهتمام كبير حاليا مع التغيرات المناخية لتبرز كحل هام وناجع  حيث تقوم مكونات المجتمع المدني  بعدة مبادرات تجسمت في مشاريع لاعادة تهيئة وصيانة الفساقي العمومية القديمة للاستفادة من مياهها ,

وفي هذا السياق قامت جمعية صيانة جزيرة جربة بعمل هام بالتعاون مع عدة شركاء شمل إحصاء الفساقي العمومية ووضع خارطة لتوزعها فاحصت 121 فسقية انطلقت في ترميم وصيانة عدد منها وقامت بتركيز فساقي بعدد من المدارس وصيانة فساقي برج الغازي مصطفى التي كانت قديما تزود كامل سكان مدينة جربة حومة السوق بالماء لكبر حجمها وعددها الهام.

وستنطلق الجمعية قريبا في برنامج اخر لصيانة عدد من الفساقي مواصلة لجهودها في المجال وتجسيما لشعار رفعته فسقيتي نحفظها تحفظني.

كما تنفذ جمعية جليج للبيئة البحرية بجربة مشروع فسقيتنا بالتعاون مع مصالح مندوبية الفلاحة وبدعم من الصندوق العالمي للطبيعة

بشمال افريقيا الذي يدعم بدوره جمعية صيانة جزيرة جربة في مشروع مماثل .

ويهدف مشروع جمعية جليج الى تهيئة وصيانة 10 فساقي عمومية لجمع مياه الامطار كحل يقوم على الطبيعة للاستفادة من الموارد الطبيعية بطريقة مستدامة ودون اضرار بالنظم البيئية الى جانب هدفه في تثمين التراث المائي التقليدي كثروة ثقافية وتعزيز الصمود امام اثار التغيرات المناخية ونشر الوعي بأهمية الاعتماد الاعتماد على حلول قائمة على الطبيعة لحماية مواردنا .

وتتمثل تدخلات هذا المشروع في تنظيف للفساقي وإزالة الرواسب وترميم الجدران وتحسين نظام جمع مياه الامطار مع تهيئة للمحيط الخارجي لتسهيل النفاذ والاستخدام الامن.

شارك:

إشترك الأن

تونس

11° - 19°
الخميس17°
الجمعة16°
هذا المساء
AU JOUR LE JOUR
العشوية
 إذاعة الزيتونة
ymasikom
أغاني و أجيال
اليوم في ساعة
مساء الأنس
إذاعة القصرين
الإذاعة الثقافية

الإذاعة الثقافية

ON AIR
هذا المساء
AU JOUR LE JOUR
العشوية
 إذاعة الزيتونة
ymasikom
أغاني و أجيال
اليوم في ساعة
مساء الأنس
إذاعة القصرين