احتفاء بقامات مسرحية في اختتام المنتدى المسرحي الدولي"الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"

ماذا قدمّ المسرح للفلسفة وماذا قدمت الفلسفة للمسرح؟ لماذا يجب "قتل" كلاسيكيات المسرح الغربي والتخلص من أشباح عطيل وليار وغيرهم؟ وما هي البدائل المتاحة للمسرح العربي؟ كل هذه الأسئلة كانت جزءا مما طرحته أستاذة الفلسفة الأستاذة الجامعية أم الزين بن شيخة، في اليوم الثالث والأخير من المنتدى الدولي"الفنان المسرحي: زمنه وأعماله" الذي يقام ضمن فعاليات الدورة 26 لأيام قرطاج المسرحية.
وخلال هذا اللقاء الحواري الذي أداره الأكاديمي والباحث في الفن عمر علوي، تساءلت أم الزين شيخة عن هذه الروابط "الخطيرة" بين المسرح والفلسفة والتقارب بين هذين التخصصين اللذين يبحثان في جوهر الوجود البشري. وأوضحت أنّ المسرح كما الفلسفة يسعيان إلى استجواب الواقع، والتساؤل عن الإنسان، وكشف الآليات المرئية وغير المرئية التي تبني المجتمع.

وأشارت إلى أن "المسرح هو المكان الذي يتحرر فيه عقلنا وجسدنا اللذين تم ترويضهما باسم التقاليد وباسم الدين..."، مبينة أن الفلسفة تضع مفاهيم للتفكير في العالم، بينما المسرح يحملها إلى خشبة المسرح، ويمنحها أجسادا وأصواتا ومواقف ملموسة. وبذلك يصبح المسرح، وفقًا لأم الزين بن شيخة، مساحة للتجريب الفلسفي حيث يمكن اختبار الأفكار من خلال الصراعات والحوار والخيارات الأخلاقية أو التناقضات. وبفضل قدرته على تجسيد الشك والتناقض وتعدد وجهات النظر، يوفر المسرح شكلا مرهفا من أشكال التفكير يكمل ويحيي النهج الفلسفي.

وأضافت في حديثها عن الجيل الجديد من المسرحيين: "لقد كتبت مؤخراً الكثير عن الجيل الجديد من الفنانين التونسيين. أنا لست ناقدة مسرحية، ولا أريد أن أكون كذلك. ولا أدعي أنني كذلك. خلال هذه العروض، كنت أبحث عن الفكرة والمفهوم... أنا أسير على خطى الفلسفة في المسرح".

 المسرح... سلاح للصمود

اليوم الأخير من المنتدى كان مناسبة كذلك لاستضافة إحدى الشخصيات البارزة في المشهد الثقافي السوداني والعربي، حيث حضر الممثل والمخرج المسرحي علي مهدي نوري الذي قدمه الناقد المسرحي والثقافي السوداني عصام أبو القاسم. وقد استعرض الضيف مسيرته المهنية التي امتدت على مدى خمسين عاما. فقد تخرج عام 1974 وتخصص في مسرح العرائس وعمل على إضفاء الطابع المؤسسي عليه في السودان، لا سيما من خلال عمله في وزارة الثقافة وعمله في مجال الأطفال. وهو يعتبر أن المسرح مساحة للنقل والمقاومة وإعادة البناء.
وكان علي مهدي نوري عرف لدى الجمهور الواسع بمسرحه السياسي في "هو وهي" التي شكلت نقطة تحول استمر عرضها الجماهيري أكثر من سبع سنوات وانتقلت إلى معظم عواصم السودان وعرفت ببداية المسرح التجاري. كما أسس سنة 2004 فرقة البقعة.
وترتكز أعماله المستوحاة من التراث الثقافي السوداني على تقنيات السرد المختلفة فضلا عن الفولكلور وفن التمثيل. كما يقود مشاريع فنية في مناطق النزاع، حيث يقدم عروضاً لجنود أطفال سابقين أو أيتام حرب. وهو الحائز على جائزة اليونسكو- الشارقة للثقافة العربية سنة 2011 والناشط في المعهد الدولي للمسرح.

وتحدث الفنان في لقاء الأمس عن طريقة تكيفه مع المشهد السياسي السوداني، مع الحفاظ على نفسه ووفائه لخياراته، قائلا "بالتأكيد، لم يكن الأمر سهلا أبدا... ولكن بقليل من المكر والحكمة قبل كل شيء، تمكنت دائما من الخروج من المأزق". كما استذكر علاقاته الطويلة الأمد مع تونس التي زارها لأول مرة في سبعينات القرن الماضي.


 باتريس بافيس، المسرح بطريقة مختلفة

في تقديمه للأكاديمي الفرنسي باتريس بافيس، أكد الأستاذ الجامعي والمترجم والمخرج التونسي محمد المديوني أن بافيس ساهم بشكل كبير في تجديد أساليب التحليل المسرحي من خلال دمج مناهج متعددة التخصصات، من اللغويات إلى الدراسات الثقافية، مع التركيز على قاموسه الشهير للمسرح الذي يعد مرجعا رئيسيا للطلاب والفنانين والباحثين.

وركزت مداخلة بافيس على الدراسات المسرحية المعاصرة، التي أثرت أعمالها تأثيرا عميقا على البحث والممارسة المسرحية. وقد فرض بافيس نفسه منذ سبعينيات القرن الماضي كرائد في علم السيميائية المسرحية، حيث اقترح أدوات تحليلية تسمح بفهم المسرح كلغة معقدة مكونة من علامات بصرية وصوتية وجسدية ونصية.

وقد ساهم كتابه "قاموس المسرح"، في هيكلة هذا التخصص من خلال تقديم مصطلحات دقيقة وميسرة للطلاب والباحثين والفنانين. واهتم بافيس أيضا بقضايا الإخراج المسرحي والتعددية الثقافية والترجمة المسرحية، التي يتناولها كعمل إبداعي بحد ذاته، وقد ساهم من خلال نهجه الدقيق وانفتاحه على التيارات الدولية، في إثراء التفكير في الممارسات المسرحية وساهم في ترسيخ الدراسات المسرحية في حوار مستمر بين النظرية والإبداع.


 صلاح القصب، أيقونة المسرح العربي

ومثل اليوم الختامي للمنتدى فرصة كذلك للاحتفاء بشخصية بارزة في المشهد المسرحي العربي، صديق تونس الفنان الذي لم يغب عن أي دورة من أيام قرطاج المسرحية منذ سنة 1983، الفنان العراقي المتميز صلاح القصب.
وسلط الأستاذ الجامعي المختص في الأدب والنقد والتفسير الباحث العراقي رياض موسى سكران الضوء على مسيرة هذا الفنان الذي نجح في ترك بصمة على الساحة المسرحية العربية، والذي يعتبر أحد أبرز رواد "مسرح الصورة".

فقد تولى صلاح القصب على مدى سنوات، في كلية الفنون الجميلة في بغداد، بتدريب أجيال من المخرجين، تاركا بصمة دائمة على كل من صادفهم في طريقه. وقد ساهمت مسيرته، التي تميزت بالجرأة الجمالية والصرامة الفكرية، في التأثير بعمق على تطور المسرح العربي المعاصر.
وإيمانا منه بأهمية تشجيع المسرحيين والتعريف بهم على المستوى العربي، أنشأ صلاح القصب جائزة باسمه، تُمنح سنويا خلال أيام قرطاج المسرحية، لفنان مسرحي متميز، وقد منحت هذه السنة للفنان المخرج المسرحي التونسي الفاضل الجعايبي.
 

شارك:

إشترك الأن

تونس

10° - 14°
الجمعة16°
السبت17°
بيت العيلة
 Radio RTCI
HAND ZONE
على صعيد الرفض
 إذاعة الزيتونة
law
أولاد الديجيتال
مرايا الجهات
ترابها ذهب
إذاعة القصرين
على صعيد الرفض

على صعيد الرفض

15:00 - 16:00

ON AIR
بيت العيلة
 Radio RTCI
HAND ZONE
على صعيد الرفض
 إذاعة الزيتونة
law
أولاد الديجيتال
مرايا الجهات
ترابها ذهب
إذاعة القصرين