فتحي زغندة في "نسمات أندلسية"بالقصر السعيد: "المألوف موسيقى تونسية خالصة وليست أندلسية"

دعا الباحث الموسيقي فتحي زغندة إلى إعادة النظر في تسمية "الموسيقى الأندلسية" التي شاع استعمالها في الإعلام والكتابات الثقافية، مؤكدا أنها تسمية "غير دقيقة علميا حين تتعلق بالتراث الموسيقي التونسي المعروف باسم المالوف".
جاء ذلك خلال مشاركته في الندوة الفكرية الأولى لتظاهرة "نسمات أندلسية" التي احتضنها مركز الفنون والثقافة والآداب بالقصر السعيد بباردو مساء الخميس 16 أكتوبر 2025 ، حيث قدم مداخلة نقدية بعنوان "الموسيقى الأندلسية... قراءة في المصطلح والتاريخ".
وأوضح زغندة أن ما يُعرف اليوم في تونس بـ "الموسيقى الأندلسية" هو في جوهره نتاج تطور محلي طويل الأمد تأثر بعدة روافد من المشرق والمغرب والعهد العثماني حتى أصبح فنا تونسيا صرفا. وقال في هذا السياق: "صحيح أن المألوف التونسي له جذور أندلسية لكن هذه الجذور لم تعد اليوم سوى أثر محدود في بعض الألحان والموازين القديمة، أما النسيج الموسيقي العام فقد صار تونسيا خالصا من حيث المقامات والإيقاعات والنصوص".
وبين أن هذا التطور الطبيعي جعل المألوف التونسي يختلف تماما عن نظيره في الجزائر أو المغرب، إذ لم تعد توجد عناصر موسيقية مشتركة بين هذه المدارس ما يدلّ على أن كل بلد صاغ هويته النغمية الخاصة، قائلا: "يمكنك أن تميز بسهولة النغمة التونسية من أول استماع فهي مختلفة عن المالوف القسنطيني أو الغرناطي المغربي رغم وحدة الأصل التاريخي".
وتطرق زغندة إلى مفهوم "النوبة"، موضحا أنه ليس مصطلحا أندلسيا خالصا كما يُعتقد وإنما له أصول فارسية وتركية عثمانية انتقل عبر القرون إلى المشرق ثم إلى بلدان شمال إفريقيا أثناء الحكم العثماني. وأشار إلى أن كلمة "نوبة" كانت تعني في الأصل "الدور الموسيقي المتناوب" في المجالس السلطانية أي التتابع بين القطع البطيئة والسريعة داخل العمل الواحد وهو ما يشبه في بنيته السمفونية الغربية. وأوضح الباحث أن كل "نوبة" تونسية تتكون من مجموعة من القوالب الموسيقية الدقيقة مثل الإبطائي (البطيء) والدراج والخفيف والسريع تتدرج في الإيقاع والمزاج لتشكل وحدة فنية متكاملة. وأضاف أنّ هذه البنية المميزة هي التي جعلت من التراث الموسيقي التونسي نظاما علميا ومقاميا مستقلا لا يختزل في جذوره الأندلسية فقط.
واستعرض زغندة جانبا تاريخيا مهما يتمثل في مساهمة محمد الرشيد باي (القرن 18م) الذي كان من أبرز المهتمين بالموسيقى في البلاط الحسيني، إذ وضع ترتيبا خاصا للنوبات التونسية واهتمّ بتدوين الألحان وتطوير بنية الأداء. وقال إن هذا الأمير الفنان هو الذي أرسى أول تنظيم نظري للنوبة التونسية شبيه بالتأليف الكلاسيكي، ما جعلها تتطور لاحقا في إطار المدرسة الرشيدية التي واصلت نهجه في التوثيق والتعليم الموسيقي.
وأشار إلى أن المدرسة الموسيقية التي نشأت في القرن العشرين واصلت هذا المسار العلمي، فاعتمدت التدوين الموسيقي الحديث وتدريس المقامات والإيقاعات ضمن برامج أكاديمية، مما أتاح للأجيال الجديدة فهما دقيقا للبنية النظرية للمالوف.
وختم فتحي زغندة مداخلته بالتأكيد على أن الحديث عن الموسيقى التونسية لا يجب أن يخضع للتصنيفات الاستشراقية أو التبسيطات الإعلامية وإنما ينبغي الاعتماد على البحث الأكاديمي الدقيق لفهم كيف تشكل هذا التراث الثري عبر قرون من التفاعل بين الشرق والمغرب والعالم العثماني. وقال في ختام كلمته إن "الموسيقى التونسية ليست بقايا من الماضي الأندلسي، فهي ذاكرة حية لشعب صاغ هويته من تاريخه وجعل من المالوف لغة وطنية للنغم".





16° - 22°









