"القوّالة" لحاتم الفرشيشي: عرض صوفي يُزهر في رباط المنستير

عاش جمهور مهرجان المنستير الدولي ليلة موسيقية استثنائية، إذ احتضن معلم الرباط الأثري مساءالخميس 24 جويلية 2025 العرض الأوّل للعمل الصوفي"القوّالة" للفنان حاتم الفرشيشي، الذي حمل الحاضرين في رحلة روحانية جديدة مستلهمة من عمق التراث الصوفي التونسي.
وشارك في هذا العرض الذي قدم لأول مرة 31 فنانا وعازفا، من بينهم فاضل الدعمي والمازري بالحاج علي وحمدي الشلغمي، تحت الإشراف الموسيقي لرواد رحومة وإخراج بديع القربي، في إنتاج لجمعية مهرجان المنستير الدولي.
وافتتح العرض بأنشودة "يا أهل الله يا أهل الحالة يا رجال الصوفية" من كلمات حاتم الفرشيشي وألحان رواد رحومة، قبل أن ينتقل بالجمهور إلى أجواء مقامات موسيقية متنوعة، حيث مزج بين مقام الإصبعين ومقام الحجاز، لينتقل بعدها إلى الطبوع التونسية الأصيلة مثل الرمل ومحير عراق والمزموم ورصد الذيل ومحير سيك.
وفي الجزء الثاني من السهرة، حلّق الفرشيشي بجمهوره في جولة موسيقية عبر ولايات الجمهورية من خلال "ميدلاي" جمع فيه بين قادرية قفصة وعلوية قابس سيدي بوبلبابة وسيدي بوعكازين بصفاقس وسيدي بوراوي بسوسة وسيدي المازري بالمنستير.
وفي تصريح لـ"وات"، كشف حاتم الفرشيشي أنّ "القوّالة" تتضمّن 11 لحنا جديدا من بينها مقطوعات مبتكرة مثل "صلي عليك ربي" التي قدّمها هذه المرّة في طبع النوى عوضا عن محير عراق التقليدي في السلامية، إلى جانب قصيدة "يا قطب الصُلاح" من كلماته وألحانه. كما ضمّ العرض قطعًا مقتبسة من الذاكرة الشعبية في هيكلة موسيقية جديدة مثل "يا مبطاكم حنوا غبتم عليّ كثير" من كلمات الفرشيشي ولحن شعبي مجدّد.
وأكد الفرشيشي حرصه على تقديم أعمال بحثية جديدة وعدم تكرار نفسه فنيًا، قائلًا: "لا أريد أن أجترّ بل أريد التميّز والتفرّد بإنتاجات خاصة بي". وقد تضمّن العرض مقطوعات عزيزة على الجمهور مثل "يا سيدي بولبابة" و"سيدي بوراوي" و"بابا يا بوشامة" ضمن نوبة رصد الذيل للعوامرية التي قدّمها الفنان حمدي الشلغمي، مع الإشارة إلى أنّها لم تُقدّم في عروض أخرى. ورغم مطالب الجمهور بمزيد من الأغاني، تمسّك الفريق بنصّ "القوّالة" احترامًا للعرض وأصالته.
من جهته، أوضح الملحن رواد رحومة أنّهم اعتمدوا في "القوّالة" على مزج موسيقي يجمع موسيقات العالم داخل إطار صوفي بهدف تجديد الإيقاع الصوفي وجذب الأجيال الشابة، مضيفًا أنّ المقطوعة الافتتاحية جسّدت خلاصة هذه التوليفة من الإيقاعات والمقامات المتنوعة.
واعتبر رحومة أنّ حاتم الفرشيشي "محافظ في جانبه الصوفي لكنه متمرّد في تجديد طرق الأداء والإيقاعات المركبة حتى في العروض الأصغر"، مضيفًا أنّ العمل سعى لإعطاء الموسيقى الصوفية روحًا جديدة مع المحافظة على جوهرها.
وقد تخلّل العرض تكريم خاص للفنان الحبيب المناري، فيما كرّم نقيب الفنانين ماهر الهمامي الفنان حاتم الفرشيشي تقديرًا لإبداعه وإسهامه في إثراء المشهد الفني الصوفي.
من جهته، وصف هشام الشيني، العازف بفرقة الشباب للموسيقى العربية بالمنستير، العرض بأنّه "رائع وممتع"، مشيدًا بالتناغم بين التراث الصوفي و"النقشات الغربية" في توليفة موسيقية متناغمة وحضور صوتي متميّز.
ويأمل حاتم الفرشيشي أن يواصل "القوّالة" مسيرته كمشروع موسيقي صوفي يضيف روحًا جديدة لهذا التراث الأصيل ويقدّمه للأجيال القادمة في شكل متجدّد يحافظ على عمقه ويمنحه حياة متواصلة