مهرجان الحمامات الدولي 2025: من وجع الطفولة إلى مسرح الحمامات...سيلاوي يحكي حكايته غناء

برز في المشهد الموسيقي العربي في السنوات الأخيرة وتحديدا سنة 2020، صوت مختلف لا يشبه سواه، صوت هادئ ينبع من وجدان صادق يعكس حزنا ومأساة عاشها هذا الفنان. إنه حسام سيلاوي الشاب الأردني ذو الأصول الفلسطينية الذي فرض حضوره في الساحة الفنية بقوة، لا بصخب الإنتاج بل بصدق تجربته الإنسانية.
وفي زمن التكنولوجيات الرقمية حيث غالبا ما ترتبط الشهرة بالإثارة، اختار سيلاوي مقاربة مختلفة تماما وهي أن يغني ما يشعر به حقا لا ما يتوقع منه الجمهور، وهو الذي بدأت تجربته الفنية على المنصات الرقمية، خلال فترة جائحة الكورونا . وهذا الصدق هو ما ربطه بالجمهور عاطفيا، فتجاوزت علاقته بهم حدود الأذواق الفنية لتلامس وجدانهم.
ولم تمضِ فترة طويلة على بداية مساره المهني حتى بدأت أرقام المشاهدة والتفاعل مع ما ينشره من أغان بالصعود الصاروخي مسجلة عشرات الملايين من المشاهدات على يوتيوب ومئات الآلاف من المتابعين على المنصات الرقمية. لكن بالنسبة إلى سيلاوي فإن هذه الأرقام ليست سوى انعكاسا لعمق المحتوى وللكلمات الصادقة التي تشبه البوح وللألحان التي تنسج على حواف الألم الإنساني.
هذا الفنان الذي يملك قناة على منصة يوتيوب ،تحظى بمتابعة كبيرة، اشتهر بالعديد من الأغاني التي نشرها على قناته، من بينها "قدام الكل" و "لما تكوني" و "علمني أعيش" و"لسا معاكي" و"العيون السود" و"لا تنسيني" و"ملاكي"، وخاصة أغنيته التي لقيت رواجا كبيرا وأعاد غناءها عدد من الفنانين الشبان بعده والتي تحمل عنوان "عشانك" والتي تجاوزت عدد مشاهداتها منذ نشرها سنة 2021 على منصة اليوتيوب 159 مليون مشاهدة، وقد أعاد الفنان الشاب نادر قيراط غناء هذه الأغنية (cover)، كما تمّ اختيارها أفضل أغنية عربية في جوائز الموسيقى العربية سنة 2023.
وحظي سيلاوي بعدد من الجوائز والتكريمات ومنها بالخصوص جائزة أفضل فنان صاعد في "جوي أووردز" وهو ما عزز مكانته كواحد من أبرز فناني جيله في الوطن العربي.
طفولة محفوفة بالحزن: ميلاد الحكاية الفنية
تتجاوز قصة حسام سيلاوي الفن لتلامس جوهر التجربة الإنسانية. فقد نشأ في ظروف أسرية معقدة وكان لفقدان والدته مبكرا أثر بالغ في تكوينه. وهذه الفجوة العاطفية تحولت فيما بعد إلى مصدر إلهام لأغانيه، حيث حاول لمس مشاعر الغياب دون أن يطلب تعاطفا. وكتب أغنية مؤثرة عن والدته تحمل عنوان "ليش تروحي" لكنه سحبها لاحقا خوفا من أن يُنظر إليه كضحية، وهو الذي لا يسعى لكسب الشفقة وإنما يحاول من خلال فنه تبليغ ما يخالجه من مشاعر وأحاسيس والتعبير عن نفسه، فالفن بالنسبة إليه أداة مقاومة نفسية.
وهذه الأغنية التي عبر فيها عن قصته وما عاشه من عنف نفسي وانكسارات، كانت بمثابة جسر عزز علاقته بوالده الذي تمكن من خلالها من فهم قساوة تجربة طفل كبر دون أم، ليقدم له دعما أكبر ويحفزه أكثر.
يرى كثيرون أن النجاح نهاية المطاف، لكن سيلاوي كاد أن يغادر هذا الطريق مبكرا، وذلك بسبب الضغط النفسي والإرهاق العاطفي الناتج عن التعبير الفني الصريح، وهو ما دفعه للتفكير جديا في الاعتزال حتى أنه كتب أغنية وداعية. لكنه قرر أن يؤجل قراره ليجرب شيئا أخيرا وهو الوقوف أمام جمهور حقيقي لا من وراء الشاشات.
وقد كان ما حدث بعد ذلك نقطة تحول حاسمة في مسيرته، إذ نفدت تذاكر حفله الأول في سوريا سنة 2022 في غضون أيام ووجد نفسه محاطا بجمهور يبكي وهو يردد أغانيه ويتأثر بكل كلمة وكل لحن، وفي تلك اللحظة أدرك أن ما يقدمه من أعمال فنية تتجاوز ذاته فقد أصبح صوته يمثل جيلا بأكمله.
لا يعتبر سيلاوي نفسه نجما تقليديا كما لا يحبذ المقارنات. فهو يرى أن هويته الفنية نابعة من تجربة شخصية عاشها في الماضي وظلت متجذرة في الشعور بالتهميش، والرغبة في التعبير عن مشاعر الغضب والخذلان والحب والفقدان دون "روتوش" (تزويق) وهو ما مكنه من عقد شراكات مع فنانين فلسطينيين يشاركونه هذه الخلفية، سعيا لصنع فن يتحدث عن المهمشين وعن أولئك الذين صاغوا معنى لحياتهم رغم الظروف القاسية.
ويطمح سيلاوي من خلال مزج اللغتين العربية والإنجليزية في أعماله، للوصول إلى جمهور عالمي دون أن يفقد روحه العربية الأصيلة. فهو يريد أن يعبر عن الإنسان في بعده الكوني في معزل عن الهوية الضيقة، وأن يكون فنه جسرا يربط الناس لا جدارا يفصل بينهم، لأنه كما يقول: "أريد أن أُذكر لا أن أُستهلك".
وعند سؤاله عن الإرث الذي يرغب في تركه، دائما ما يتجاوز هذا الفنان الشاب المال و الشهرة وغيرها من الامتيازات التي يحظى بها الفنان، ليتحدث عن الذاكرة، فهو يسعى إلى أن تبقى أغانيه محفورة في قلوب الناس وأن يتذكروه بعد سنوات.
وتجدر الإشارة إلى أن حسام سيلاوي سيصافح الجمهور التونسي في سهرة يوم غد الخميس 24 جويلية، في عرض يقام أمام شبابيك مغلقة، وذلك ضمن فعاليات الدورة 59 لمهرجان الحمامات الدولي.