الروائية أميرة غنيم تفكك مفهوم الحقيقة بين التاريخ والخيال في مهرجان الدرعية للرواية في المملكة العربية السعودية

 "الحقيقة ليست معطى ثابتا بل أفق يُطلب" بهذا التصور افتتحت الروائية التونسية الدكتورة أميرة غنيم لقاءها في الدورة الثانية من مهرجان الدرعية للرواية بالمملكة العربية السعودية، لتضع الحضور مباشرة أمام جوهر رؤيتها الفكرية في مداخلتها المعنونة "التاريخ والحقيقة السردية".  استهلت أميرة غنيم مداخلتها التي قدمتها أمس الخميس 27 نوفمبر، بتدقيق مفهوم "الحقيقة"، مميزة بين الحقيقة التاريخية والصدق الموضوعي. واعتبرت الحقيقة فضاء متحركا غير ثابت تؤطره أربعة أضلاع هي "العالم" بما هو حالة الأشياء في الكون و"الإدراك" باعتباره الوسائل التي بها نتمثل العالم عبر الملكات والحواس و"اللغة" بوصفها القناة التي نعبر من خلالها عن إدراكنا، ثم "السلطة" ممثلة في البنى المهيمنة التي تتحكم في إنتاج المعنى. وأوضحت أن محدودية الإدراك ومحدودية اللغة وجبرية الخضوع لسلطات الخطاب تجعل الحقيقة أفقا يطلب لا جوهرا ثابتا سابق الوجود يمكن اكتشافه كما هو.  وانتقلت غنيم إلى الحقل الروائي، مشيرة إلى أن مفهوم الحقيقة يصبح أكثر تعقيدا داخل العالم التخييلي، حيث ينضاف إلى الأضلاع الأربعة ضلعان جديدان هما "إكراهات الكتابة الفنية" بما تستلزمه من بناء جمالي وأسئلة تقنية و"السردية التاريخية الرسمية" كما توردها الوثائق. وبهذه الأضلاع الستة تتحرّك الحقيقة داخل الرواية في مجال مختلف يجعلها قابلة للتحول والتعدد والتأويل.  كما استعرضت الروائية تجربتها الشخصية في التعامل مع الوثائق التاريخية، موضحة أهدافها من استدعاء شخصيات من التاريخ التونسي المعاصر إلى الفضاء الروائي. وأكدت أن الالتفات إلى الماضي هو فعل مراجعة للأسس التي بنيت عليها الهوية الجماعية والمصير المشترك، وأن الرواية التاريخية الناجحة هي التي تستطيع التقاط مفارقات الحاضر والتعبير عن أسئلته الملحّة رغم اشتغالها على أحداث منقضية.  وتأتي هذه الجلسة ضمن برنامج حافل يضم أكثر من 40 ورشة وجلسة حوارية وأكثر من 20 أمسية ومحاضرة، بمشاركة أكثر من 30 روائيا من السعودية والعالم العربي ومن كتاب اللغة الإنقليزية، يجتمعون لبحث العلاقة بين الناس والتاريخ واستحضار الماضي وإضاءة ما خفي من معانيه وتجاربه الإنسانية، وذلك عبر نقاشات موسعة حول الهوية والذاكرة والموازنة بين صدق الرواية وحرية الخيال.