مسرحية "على وجه الخطأ" لعبد القادر بن سعيد: عندما يصبح المسرح مرآة للانهيار الإنساني

قدمت "شركة الفنانين التونسيين المتحدين - فضاء المونديال"، ضمن فعاليات الدورة الثالثة من المهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع" (24 أكتوبر - 8 نوفمبر 2025) مسرحية "على وجه الخطأ"، بإمضاء المخرج عبد القادر بن سعيد في الدراماتورجيا والسينوغرافيا والإخراج، وبنص جماعي شارك في صياغته طاقم العرض الذي يضم كوكبة من الممثلين هم بشرى القنيني وأروى العباسي وسناء بن محمد وأميرة لوبيري وأماني جلولي ومايار القادري ونادية بن سعيد وعزوز ورمزي العروسي وإسكندر المالقي.
ودام العرض 62 دقيقة، قاد خلالها المتفرج في رحلة نفسية متوترة نحو أعماق الذات البشرية، حيث تتقاطع الحقيقة مع الوهم والعلاج النفسي مع محاكمة الذات.
انطلقت أحداث المسرحية من لحظة اقتحام الشاب إسكندر لعيادة نفسية بحثا عن الخلاص، غير أن العلاج تحول تدريجيا إلى مواجهة مرعبة مع ذاته ومع أشباح ماضيه. وقد اشتغل المخرج عبد القادر بن سعيد في عرضه على المسرح الذهني والنفسي، حيث توالت المشاهد كهلوسات متقطعة بين الوعي واللاوعي وبين رغبة في الشفاء واستسلام للانكسار.
وجاء العرض بإضاءة قاتمة تبرز وجوها متوترة وأجسادا تتقاطع في وضعيات اختناق، أما البطل الرئيسي للعرض فهو يرمز إلى هشاشة الإنسان أمام مصيره. ولم تخل المواقف الساخرة في بعض المشاهد، كعيد الميلاد، من المرارة والألم، وكأن الحياة نفسها صارت حفلة عبثية تمارس فيها القسوة باسم الفرح.
ووظف المخرج سينوغرافيا مدروسة تمثلت في فضاء مظلم وإضاءة محدودة وإكسسوارات رمزية (سرير)، ليحوّل الخشبة إلى فضاء ذهني يتناوب فيه الضوء والظل على تجسيد الصراع الداخلي للشخصية. وقد بدت العتمة هنا لغة مسرحية تعبر عن الانهيار وعن عجز الإنسان أمام واقعه المأزوم.
وتطرح المسرحية سؤالها المركزي: أين يبدأ الخطأ؟ هل في العائلة التي لم تحتضن أم في الحب الذي خذل أم في المجتمع الذي يعاقب المختلف؟ ومن هذا المنطلق تحاكم مسرحية "على وجه الخطأ" منظومة كاملة من العنف الرمزي والاجتماعي والسياسي الذي يمارس على الفرد، لتظهر كيف يتحول الخطأ الشخصي إلى قدر جماعي وكيف تصبح العزلة مصيرا لا مفر منه.
وفي النهاية، يُودع إسكندر في مستشفى للأمراض العقلية، في إشارة إلى انتصار العبث على المعنى، وإلى فقدان الحدود بين العقل والجنون.




16° - 23°







