لقاء فكري بمدينة الثقافة حول صناعة الذاكرة ومقوماتها

لقاء فكري بمدينة الثقافة حول صناعة الذاكرة ومقوماتها

الذاكرة هي ذاكرات وهي عملية صناعة اجتماعية، هي أهم نقطة تطرق إليها الدكتور في علم الاجتماع منير السعيداني خلال محاضرته في اللقاء الفكري الذي انتظم مساء يوم السبت 25 أكتوبر بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي تحت عنوان "الحنين إلى التسعينات"، والذي نظمته جمعية تونس الفتاة بالشراكة مع المكتبة العمومية بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي.
وانطلق السعيداني في محاضرته من سؤال محوري وهو، "هل هناك شيء يدل على الحنين إلى التسعينات أو شيء يمكن تصنيفه حنينا للتسعينات ؟
ليربط موضوع المحاضرة ومفهوم "الحنين" بالذاكرة بما هي صناعة اجتماعية تخضع للعديد من المقومات فبالحديث عن حقبة تاريخية ما لا يتحدث الأفراد عن الشيء ذاته وإنما ينتقي كل شخص من ذاكرته الأحداث التي تخدم السردية التي يُروج لها.
وأوضح السعيداني أنه لصناعة الذاكرة لا بد أن يتم الانطلاق من عنصر صحيح من الواقع حتى يتم البناء عليه ولذلك بالحديث عن "جيل التسعينات" فإن البعض يتغافل عن الأحداث الكبرى الأحداث الكبرى ذات البعد السلبي، أو كل يطرح الحدث من الزاوية التي يستحسنها وبين ذلك من خلال مثال حرب الخليج الثانية بين العراق والكويت والتي يتم تقديمها وفقا لأربع تسميات تخدم كل واحدة سردية طرف ما إذ تحمل هذه الحرب تسمية "أم المعارك"، و "حرب تحرير الكويت" و "عملية درع الصحراء"، وهي تسميات تهدف لصناعة ذاكرة هذا الحدث من زوايا مختلفة.
وفي حديثه عن التسعينات تطرق السعيداني إلى مفهومين هامين الأول "الجيل، ليقر بأنه هو أيضا يخضع للصناعة الاجتماعية إذ يتم توظيفه حسب سياق طرح الموضوع فمسألة التركيز على جيل التسعينات لا يتم فيها توضيح ما المقصود بهذا الجيل، هل هو الأفراد الذين ولدوا في سنوات التسعين أم الذين كانوا فاعلين في تلك الفترة، ليبين أنه مفهوم يحمل الكثير من المعاني التي تُبنى على عناصر اجتماعية مرتبطة بما ينتقيه الفرد من الذاكرة.
فمصطلح الجيل حسب الباحث، يرتبط أيضا بالحركات الاجتماعية، فهو محاولة للتعبير عن أن للمجموعة موقعها من الحاضر من خلال العودة على أحداث ماضية، وهو ما يبين أن تعدد الذاكرات يدل على فكرة التعددية في المجتمع، وأن تناول عنصر الذاكرة في مختلف الحقب مهم فالإنسان لا يمكن أن يعيش دون ذاكرة.
وفي إجابة عن سؤال وكالة تونس إفريقيا للأنباء حول أهمية طرح مثل هذه المواضيع في السياق الحالي أجاب الباحث بأن مسألة بناء الذاكرة تلقى اهتماما كبيرا في الدراسات الأكاديمية خاصة في مبحثي علم الاجتماع والتاريخ، وهو اهتمام لا يقتصر على تونس فقط وإنما في عديد الدول، مبينا أن هناك مقولة تحليلية مشتركة بين كل الذين يعتنون بقضايا الذاكرة، وهو أن الذاكرة هي صناعة اجتماعية يمكن أن تكون لها أبعاد سياسية وفكرية واجتماعية، وأن من تنتصر ذاكرته، أو من يتمكن من تثبيت عناصر ذاكرته، يمكن أن ينتصر في الصراعات الاجتماعية.
وربط السعيداني الاهتمام بموضوع الذاكرة ببعض السياقات التي مرت بها تونس خاصة بعد الثورة، حيث كانت هناك ضرورة لإطلاق مسار العدالة الانتقالية واحد أهم مكوناته الاشتغال على الذاكرة داخل هيئة الحقيقة والكرامة، وبذلك خرجت المسألة من السياق الأكاديمي والثقافي وأصبحت مسألة عامة، خاصة حين تم بث جلسات الاستماع لضحايا العنف السياسي زمن نظام بن علي، على المباشر في التلفزة ونشرها على المنصات الرقمية، وكانت هذه الشهادات محملة بالذاكرة والألم والدموع، وتذكيرا بمآسي اجتماعية شخصية وعائلية، وبذلك عناصر الذاكرة لم تعد عناصر ذاكرة شخصية بل تحولت إلى عناصر مشتركة، ومن هناك برزت دعوة لإعادة بناء الذاكرة الوطنية خاصة من قبل المؤرخين.

شارك:

إشترك الأن

موّال العشق
غن يا عصفور
إذاعة القصرين
غن يا عصفور

غن يا عصفور

00:00 - 01:00

ON AIR
موّال العشق
غن يا عصفور
إذاعة القصرين