المختار المستيسر في تظاهرة "نسمات أندلسية" بالقصر السعيد: الرشيدية مشروع وطني لحماية الهوية الموسيقية التونسية

 قدم الأستاذ المختار المستيسر مداخلة علمية بعنوان "نغمة الرشيدية"، سلّط من خلالها الضوء على البعد التاريخي والثقافي للموسيقى التونسية ودور المدرسة الرشيدية في ترسيخ الوعي الوطني من خلال الفعل الموسيقي. وتنزلت هذه المداخلة في إطار الندوة الفكرية الأولى لتظاهرة "نسمات أندلسية" التي انتظمت مساء الخميس 16 أكتوبر بمركز الفنون والثقافة والآداب بالقصر السعيد بباردو.
وبيّن في مستهل مداخلته أن المشهد الموسيقي في تونس خلال ثلاثينات القرن العشرين كان يعيش تحولات كبرى نتيجة التفاعل بين الهوية المحلية من جهة والضغوط الاستعمارية والثقافية الفرنسية من جهة أخرى، ما جعل الحاجة إلى بعث مؤسسة موسيقية وطنية ضرورة تاريخية. وأوضح أن المدرسة الرشيدية التي تأسست سنة 1934 بمبادرة من مجموعة من المثقفين والفنانين الوطنيين، كانت مشروعا ثقافيا وطنيا بامتياز يهدف إلى حماية التراث الموسيقي التونسي من الاندثار والذوبان في الأنماط الوافدة وإلى إعادة الاعتبار للأغنية التونسية ذات الجذور الأندلسية.
وأكد أن هذه المدرسة مثّلت رمزا للمقاومة الثقافية ضد "سياسة التذويب" الفرنسي التي كانت تعتبر الموسيقى الشرقية "موسيقى متخلّفة" لا تواكب الحداثة الأوروبية، فعملت الرشيدية على إبراز العمق الحضاري والجمالي للموروث التونسي عبر التلحين والتعليم والتوثيق وإحياء المالوف.
واستعرض المستيسر في سياق حديثه الجذور التاريخية للموسيقى الأندلسية في تونس، مذكّرا بأن هذا الفن تسرب إلى البلاد منذ سقوط مدن الأندلس الكبرى مثل قرطبة وإشبيلية حين لجأ عدد من الفنانين والعلماء الأندلسيين إلى شمال إفريقيا حاملين معهم تراثا موسيقيا ثريا اندمج تدريجيا في البيئة التونسية ليصبح جزءا من نسيجها الثقافي. وأشار إلى أن هذا الإرث العريق ظلّ يتطور عبر العصور خصوصا خلال فترة الحكم الحسيني حيث ازدهرت الفرق الموسيقية والزوايا الصوفية التي احتضنت الأداء الأندلسي التقليدي. وأوضح أن المدرسة الرشيدية جاءت لتكمل هذا المسار التاريخي من خلال تأطير الموسيقى التونسية علميا وفنيا وتطوير طرق أدائها وتعليمها.
كما توقف الأستاذ المختار المستيسر عند الدور المحوري الذي لعبه مصطفى صفر في تأسيس المدرسة الرشيدية، معتبرا إياه من أبرز الشخصيات التي ساهمت في صياغة معالم الهوية الموسيقية التونسية الحديثة. وأضاف أن تأسيس الرشيدية تزامن مع الوعي الوطني التونسي المتنامي آنذاك، إذ أصبحت الموسيقى وسيلة للتعبير عن الانتماء والهوية تماما كما كانت الصحافة والأدب والنشاط الجمعياتي أدوات لمقاومة الاستعمار ثقافيا.
واعتبر أن الرشيدية كانت معهدا لتعليم النغم وفضاء للمقاومة الرمزية، إذ كان أعضاؤها يدركون أن الحفاظ على اللحن واللغة والمالوف هو في حد ذاته عمل وطني. ومن خلال دروسها ومحاضراتها وأمسياتها الموسيقية، ساهمت في ترسيخ وعي جمعي بأن الموسيقى هي أداة لصون الذاكرة الجمعية للأمة.
وختم مداخلته بالتأكيد على أن الموسيقى الأندلسية تمثل أحد أوجه الوحدة الثقافية للمغرب العربي، وأن الاهتمام بها في تونس هو وعي بضرورة الاستمرار في تطوير التراث وتحديثه دون التفريط في أصالته. وأضاف قائلا: "المدرسة الرشيدية كانت ولا تزال رمزا للانفتاح وهي شاهد على أن الفن يمكن أن يكون وسيلة للتعبير الوطني وجسرا للتواصل بين الشعوب والثقافات".

شارك:

إشترك الأن

تونس

13° - 21°
الثلاثاء20°
الأربعاء20°
العشوية على الوطنية
 Radio RTCI
العشوية
شرفات المساء صفاء القطاري
وقفات مع الشفاء
ymasikom
بالتوقيت المحلي
نبض المساء
أصايل
شرفات المساء صفاء القطاري

شرفات المساء صفاء القطاري

17:00 - 20:00

ON AIR
العشوية على الوطنية
 Radio RTCI
العشوية
شرفات المساء صفاء القطاري
وقفات مع الشفاء
ymasikom
بالتوقيت المحلي
نبض المساء
أصايل