عز الدين المدني: الكتابة المسرحية العربية اليوم مطالبة بأن تستعيد دورها التنويري

أكد الأديب والكاتب المسرحي عز الدين المدني أن الكتابة المسرحية العربية اليوم مطالبة بأن تستعيد دورها التنويري في زمن يسوده الصمت والانغلاق، داعيا الكتّاب الشباب إلى التجديد في اللغة والأسلوب وإلى جعل المسرح منبرا للحوار والتفكير لا للترفيه فقط. وأضاف أن "المسرح العربي ينهض كلما كتب أحدهم نصا يحرك الضمير ويوقظ السؤال".
جاء ذلك لدى تقديمه أمس الجمعة 10 سبتمبر 2025 محاضرة فكرية بعنوان "الكتابة المسرحية العربية" عرض من خلالها تجربته الطويلة في التأليف المسرحي ورؤيته لطبيعة هذا الفن وخصوصياته الجمالية والفكرية في السياق العربي المعاصر.
وتندرج هذه المحاضرة في إطار الندوة العلمية التي نظمها قسم الآداب بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" تحت عنوان "قراءة النص المسرحي". واستهلّ المدني محاضرته بالتأكيد على أن الكتابة المسرحية لا تقتصر على كونها مجرد حوار يكتب للعرض بقدر ماهي هي فن مركب يجمع بين الكلمة والفعل وبين الفكرة والتجسيد وبين الخيال والواقع، مضيفا أنها كتابة متعدّدة الأبعاد تتطلب وعيا لغويا وجماليا وفكريا لأنها تقوم على تحويل الفكرة إلى مشهد متحرك وحي.
وأشار إلى أن المسرح العربي وُلد من رحم السرد العربي القديم، غير أنه تطور في العصر الحديث ليصبح فنا قائما بذاته قادرا على معالجة قضايا الإنسان العربي في أبعادها الاجتماعية والسياسية والوجودية. وأضاف أن الكتابة المسرحية لا تنفصل عن الواقع فهي مرآة للإنسان في صراعاته اليومية، لكنها في الوقت نفسه تتجاوز الحدث المباشر لتلامس الأسئلة الكبرى حول الحرية والعدالة والمعنى.
وفي حديثه عن تجربته الشخصية، استعاد المدني بداياته في المسرح عندما كتب أولى نصوصه التي مُنعت من العرض لأسباب سياسية، مبرزا أن الكتابة المسرحية الحرة كانت ولا تزال فعلا من أفعال المقاومة الفكرية لأنها تفضح التناقضات وتكسر الصمت. وقال في هذا السياق إن "المسرح لا يعيش في الهامش وإنما في قلب المدينة وفي قلب الحياة اليومية، إنه فن الكلام في وجه الصمت".
وتوقف المدني عند الخصوصية الفنية للكتابة المسرحية، مبينا أنها تختلف عن القصة أو الرواية في بنائها فهي تقوم على التفاعل بين الشخصيات وعلى الصراع الذي يتجدد داخل المشهد الواحد. كما أشار إلى أن النص المسرحي لا يكتمل إلا بتجسيده على الخشبة لأن الممثل والمخرج والجمهور شركاء في صياغة المعنى، مشددا على أن المسرح هو فن جماعي بامتياز.
وفي تحليله لتطور المسرح العربي الحديث، أكد أنه يتسع لكل الأشكال والتجارب من الواقعية السياسية إلى الرمزية والتجريب، وأن تعدد الأساليب لا يعني التشتت وإنما هو دليل على حيوية هذا الفن وانفتاحه على التحولات الفكرية والاجتماعية. كما أشار إلى أهمية الرمز والتلميح في المسرح العربي المعاصر باعتبارهما وسيلتين فنيتين للتعبير عن القضايا الحساسة في المجتمعات العربية دون الوقوع في المباشراتية أو الخطابية.