"في محبة حسونة المصباحي" كتاب جماعي يروي جوانب من سيرة كاتب موسوعي وأديب مثير للجدل

تزامنا مع ذكرى ميلاد الكاتب حسونة المصباحي (أكتوبر 1950) الذي فقدته الساحة الثقافية التونسية والعربية يوم 4 جوان 2025 بعد معاناة مع المرض، صدر هذه الأيام عن دار خريف للنشر كتاب جماعي من إعداد وتقديم الكاتب والشاعر الصحفي نورالدين بالطيب أحد الأصدقاء المقربين من الفقيد حسونة المصباحي.
حسونة الذي كان عاشقا للكتابة ولتونس وللريف الذي ترعرع فيه، قبل أن تحمله الأقدار إلى ميونيخ حيث قضى معظم سنوات حياته، لم يتوقف يوما عن الكتابة حتى في الأشهر والأيام الأخيرة من حياته ليسلم روحه بعد إرسال آخر أعماله "يوم موت سالمة" إلى الناشر الحبيب الزغبي الذي أعلن عن صدور هذا الكتاب قبيل أيام من وفاته وكأن حسونة كان يريد الاطمئنان على صدور هذا العمل الذي يحمل نقاط التقاء كثيرة مع "يوم موته" أو الأيام الأخيرة من حياته في مسقط رأسه "الذهيبات" من ولاية القيروان.
وعلى امتداد مسيرته الثرية، كتب حسونة المصباحي، هذا الكاتب المثير للجدل، عشرات المؤلفات المتنوعة منها القصة (6 مجموعات قصصية) والرواية (14 رواية) وأدب الرحلة، وأدب الرسائل، وأدب السيرة، فضلا عن الدراسات والترجمات وعن المقالات الصحفية والحوارات التي كانت تصدر له في الصحف التونسية والعالمية.
يقول نورالدين بالطيب في تقديمه للإصدار الجديد إن تمسك حسونة إلى آخر لحظة في حياته بالكتابة ليس غريبا فمنذ بدايات شبابه اختار أن يكون كاتبا ولم ير نفسه في غير مهنة الكتابة، وحتى الصحافة التي عاش منها كان يتعامل معها من موقعه ككاتب، مشيرا إلى أنه كان من الكتاب الذين أثروا الصحافة العربية بترجماتهم وحواراتهم العميقة وتحقيقاتهم وأسفارهم، إذ كان حسونة رحالة لا يستقر على حال حتى في فترة مرضه.
عن حسونة المصباحي الإنسان والكاتب والمثقف المثير للجدل بمواقفه وتصريحاته وحتى خصوماته في الساحة الأدبية التونسية والعربية، تحدث عدد من أصحابه المقربين منه ممن رافقوه في محطات عديدة من حياته سواء من تونس أو من العالم العربي على غرار أصدقائه من مصر وسوريا والمغرب ولبنان ممن جمعتم به الكتابة والصحافة والصداقة.
ويطالع القراء في هذا الكتاب مقالات في شكل شهادات وذكريات جمعت أصحابها بحسونة المصباحي، منهم الكاتب والروائي المصري الكبير إبراهيم عبد المجيد والكاتب التونسي أحمد بنزايد والروائي والباحث المغربي أحمد المديني والشاعر السوري بشير البكر والصحفي والناقد المسرحي اللبناني بيار أبي صعب والباحثة والأكاديمية التونسية جليلة طريطر.
وساهم في هذا المؤلف أيضا الناقدة والجامعية المغربية الدكتورة زهرة حمودان، التي قدمت قراءة في رواية "هلوسات ترشيش"، والكاتب وسفير المملكة المغربية في تونس حسن طارق، الذي أشار إلى كتاب "الرحلة المغربية" الذي يعكس كيف أن "المغرب يشكل "جزءا أصيلا من المتخيل الأدبي لحسونة المصباحي"، كما تحدثت الصحفية حنان زبيس عن علاقة الصداقة التي جمعتها بالفقيد مشيرة إلى خصاله وطباعه مستحضرة ذكريات لقاءاتها وحواراتها معه، مؤكدة أنه "كان مختلفا على جميع الأصعدة" قائلة منذ حديثنا الأول أدركت أنني في حضرة شخص غير عادي وقامة أدبية مختلفة عن بقية الكتّاب.
وتضمن الكتاب أيضا ذكريات عن فترة الطفولة والصبا بقلم صديقه سمير السبوعي، وشهادة بقلم صديقه عبد الجليل بوقرة المؤرخ الباحث في المعهد العالي للتاريخ المعاصر تحدث فيها عن علاقة حسونة بمثقفي القيروان وعن خيبة تجربته السجنية في سبعينات القرن الماضي ثم عن علاقته بالمسرح والسينما، والريف والمدينة غيرها من التجارب التي عاشها الفقيد وطبعت مسيرته.
وفي شهادته، بين الشاعر السوري علي قاسم كيف أن تونس لم تكن بالنسبة إلى حسونة "مجرد جغرافيا" "بل هي كيان من لحم ودم وتاريخ وصراعات ونجاحات وفشل". وتحدث القاص والروائي التونسي محمد بوحوش عن حسونة "النمرود الموسوعي" و"الأديب الذي عاش حرا واختار حرفة الأدب".
أما الباحث المنصف قوجة فقد أشار إلى علاقة حسونة باليسار، وعلاقته بمثقفي القيروان بالخصوص كما استحضر ذكريات لقاءاتهما في باريس وفي مدينة الحمامات، وحبه الكبير لقرية الذهيبات التي أوصى بأن يدفن بها، ووصف حسونة بأنه اكتشف خبايا الثقافة الغربية والتهم كل ما كتبه الروائيون الكبار بلذة كبيرة ولكنه اكتشفها بنظرة رجل الشرق بكل ما تحمله الكلمة من سحر وعمق.
وقدمت الباحثة التونسية نجوى عمامي قراءة في رواية "يوم موت سالمة" متسائلة إن كانت هذه الرواية "وصايا حسونة المصباحي أم خلاصة رحلة المفكر" ووصف الباحث المغربي والأستاذ الجامعي نجيب العوفي حسونة المصباحي بأنه "طائر خارج السرب"، فيما اعتبر الكاتب المغربي هشام ناجح أن الفقيد كان يزاوج بين المؤرخ والكاتب في الآن نفسه.
وعن عاداته اليومية تحدث محمد نبيه المصباحي (ابن شقيقه) عن عمه مستحضرا فصولا من سيرة حياته. أما الكاتب التونسي كمال الهلالي فتناول جوانب من الذكريات التي جمعته بحسونة المصباحي مشيرا إلى أنه كان يبدأ العمل في الرابعة أو الخامسة فجرا، وعبر عن إعجابه بهذا "الكاتب الفنان من طينة خاصة"، الذي أوصى بكتابة بيتين للمعري على شاهدة قبره هما "عللاني فإن بيض الأماني فنيت والظلام ليس بفاني/ إن تناسيتما وداد أناس فاجعلاني من بعض من تذكران".
جدير بالذكر أن فكرة إنجاز هذا الكتاب الجماعي، وفق ما أكده نورالدين بالطيب، ولدت مع الكاتب والمؤرخ عبد الجليل بوقرة قبل اكتشاف صديقهم حسونة للمرض، الذي التمس إرجاء إصداره لكن تشاء الأقدار أن يتوفى وها أن أصدقاءه ينجزون هذا المؤلف في عيد ميلاد الفقيد تحية لروحه وحفاظا على ذكراه، وقد اختاروا له من العناوين "في محبة حسونة المصباحي".