صور الأطفال في المهرجانات تثير جدلاً قانونياً ووزارة الأسرة تتدخل لحماية حقوق القُصّر

 شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الفترة الأخيرة، تداولاً مكثفاً لصور ومقاطع فيديو توثق لحظات عفوية وتلقائية لأطفال أثناء مشاركتهم في فعاليات عدد من المهرجانات الصيفية.

ورغم ما بدا من براءة هذه اللحظات، إلا أن بعضها أثار جدلاً واسعاً بعد تعليقات وُصفت بالمسيئة، ما استدعى تدخلاً رسمياً من وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، التي أحالت الموضوع إلى الجهات القضائية المختصة.

ووفق بلاغ صادر عن الوزارة، فقد تم تكليف المندوب العام لحماية الطفولة بإبلاغ النيابة العمومية وطلب فتح بحث قانوني، وذلك بعد تلقي إشعارات بشأن تداول محتوى رقمي اعتُبر مسيئًا للأطفال ومخالفًا للضوابط القانونية المعتمدة، ما يمثل تهديداً مباشراً لمصلحة الطفل وحقوقه المكفولة دستورياً وقانونياً.

إطار قانوني صارم لحماية الأطفال

وينص القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، بوضوح، على "منع نشر أو تخزين أو استخدام صور الأطفال دون الحصول على موافقة كتابية من الولي، وترخيص مسبق من قاضي الأسرة". وكل مخالفة لهذه الشروط تُعد خرقاً قانونياً يُعرّض مرتكبها إلى تتبعات جزائية.

ورغم وضوح هذا الإطار التشريعي، لا تزال ظاهرة نشر صور القُصّر منتشرة، خاصة خلال الفعاليات العائلية والمهرجانات. ويقوم بعض المصورين، سواء من الجمهور أو الجهات المنظمة، بتصوير الأطفال دون إذن، وهو ما يفتح الباب أمام استغلال هذه الصور أو تحويرها في سياقات قد تُلحق ضرراً بمصلحة الطفل الفضلى.

الوزارة: حماية الطفل لا تقتصر على الجوانب الجسدية

وأكدت وزارة الأسرة أن حماية الطفل لا تقتصر على الجوانب الجسدية، بل تشمل أيضًا صون صورته وكرامته ومعطياته الشخصية. واعتبرت تداول صور الأطفال دون ترخيص قانوني انتهاكًا واضحًا لمبدأ المصلحة الفضلى المنصوص عليه في مجلة حماية الطفل.

ودعت الوزارة جميع المتدخلين، بمن فيهم العائلات والجهات الإعلامية، إلى احترام القوانين المنظمة لحقوق الطفل، مشددة على ضرورة التفكير مليًّا في تبعات نشر أي صورة تخص الأطفال، حتى وإن كانت النوايا حسنة.

لاستغلال الصور في الإعلانات أو الإعلام يتطلب موافقة مزدوجة

وينصّ القانون التونسي على ضرورة الحصول على موافقة مزدوجة، من الولي ومن قاضي الأسرة، عند استخدام صور الأطفال في الإعلانات التجارية أو الأعمال الفنية أو الحملات الترويجية. ولا يُمنح هذا الترخيص إلا بعد التأكد من أن المحتوى لا يحمل أي ضرر مباشر أو غير مباشر على الطفل، سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية.

وتُطبّق نفس الشروط عند مشاركة الأطفال في المسلسلات والأفلام والفيديو كليبات، حيث تخضع المشاركات لتقدير قضائي مسبق لضمان عدم المساس بسلامة الطفل.

ولا يكتفي القانون بالتحذير، بل يفرض عقوبات صارمة على المخالفين، تشمل السجن لفترة تصل إلى عامين وخطايا مالية قد تصل إلى 10 آلاف دينار، خاصة في حال نشر أو استعمال معطيات شخصية دون إذن، أو استغلال صور الأطفال دون مبرر قانوني.

ولابد من الاشارة الى ان تصوير الحاضرين في الفضاءات العامة، مثل المسارح والمهرجانات، سواء كانوا اطفالا قصر او راشدين جدلا قانونيا. فبينما تُعتبر التغطية الإعلامية حقا مكفولا، فإن القانون يتيح لمن يتم تصويره في وضعية غير لائقة أو محرجة دون علمه الحق في مقاضاة الجهة الناشرة، باعتبار أن ذلك يدخل في إطار نشر معطيات شخصية دون موافقة. غير أن الواقع العملي يفرض توازنا دقيقا، إذ لا يمكن مطالبة وسائل الإعلام أو منتجي البرامج باستشارة كل الحاضرين قبل التصوير، تفاديا لتقييد العمل الصحفي والإنتاج الفني.

دعوة إلى وعي جماعي ومسؤولية مجتمعية

وفي ظل التوسع السريع لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، دعت الوزارة إلى تعزيز الوعي الرقمي لدى الأسر، وحثّتهم على التفكير في تأثير كل صورة قبل نشرها. فالصورة ليست مجرد لحظة جميلة، بل قد تتحول إلى أداة انتهاك لخصوصية الطفل.

كما أكدت الوزارة أن هذه التحركات تندرج ضمن جهود وطنية لحماية القُصّر من المخاطر الرقمية، وتكريس ثقافة احترام الحياة الخاصة، خاصة بالنسبة للفئات الهشّة مثل الأطفال، الذين يجب أن تُصان كرامتهم ومعطياتهم الشخصية بموجب القانون.

ولم تعد حماية الأطفال في الفضاء الرقمي ترفًا قانونيًا، بل ضرورة مجتمعية وأخلاقية، تستوجب يقظة جماعية من الأسر والجهات الإعلامية والمؤسسات الثقافية. فبينما يُعدّ التوثيق جزءًا من حرية التعبير، تبقى مصلحة الطفل وحقه في الخصوصية أولوية لا تحتمل التساهل. ولأن الصورة قد تتحول من لحظة براءة إلى أداة انتهاك، فإن احترام الإطار القانوني ليس فقط التزامًا بالنص، بل تعبير عن وعي جماعي يحمي مستقبل الأجيال الصاعدة من مخاطر لا تُرى في عدسة الكاميرا، لكنها قد تترك أثارًا عميقة في نفس الطفل وكرامته.
 

شارك:

سبر أراء

ما هي أنواع البرامج التي تفضلونها أكثر؟

عدد الأصوات : 245

إشترك الأن

ليالي تونس
 Radio RTCI
أحلى الليالي
سهرت منه الليالي
يا قصص
سهر الليالي
سهرت منه الليالي

سهرت منه الليالي

21:00 - 00:00

ON AIR
ليالي تونس
 Radio RTCI
أحلى الليالي
سهرت منه الليالي
يا قصص
سهر الليالي