"لاس ميغاس" في مهرجان الحمامات: موسيقى نسوية تعيد رسم موسيقى الفلامنكو

ضمن فعاليات الدورة 59 من مهرجان الحمامات الدولي (11 جويلية - 13 أوت 2025)، كان الجمهور على موعد في سهرة الأربعاء 30 جويلية مع واحدة من التجارب الموسيقية الأكثر تجديدا وجرأة في مشهد الفلامنكو العالمي، قدمتها فرقة "لاس ميغاس" القادمة من مدينة برشلونة الاسبانية.
تأسست "لاس ميغاس" سنة 2004، وهي فرقة نسائية بالكامل تتكوّن من أربع فنانات موسيقيات هن "مارثا روبلس" و"أليسيا غريو" و"روسر لوسكوس" و"كارولينا لا تشيسبا". وقد حملت كل واحدة منهن خلفية موسيقية مختلفة تتراوح بين الفلامنكو الكلاسيكي والجاز والفادو والموسيقى اللاتينية، وهو ما أوجد موسيقى فلامنكو بألوان إيقاعية متنوعة.
وقدمت الفرقة عرضا متكاملا تنقلت فيه بين مقطوعات مختلفة، إذ انطلقت بأغنية "Grito" ذات الإيقاع السريع ثم مرّت بأداء "Tangos de la Repompa" التي حملت طابعا كلاسيكيا، وصولا إلى "Una mica més" التي أدتها المجموعة باللهجة الكاتالونية في مراوحة بين الهوية الموسيقية المحلية والانفتاح على أنماط متعددة. وتنوّعت بقية الأغاني بين الموسيقى الهادئة الحزينة والإيقاعات الاحتفالية وبين مضامين الحب والهوية والحرية والعدالة في أبعادها الإنسانية الكونية السامية.
أما الجمهور التونسي والأوروبي الذي تابع العرض، فقد تجاوب بانسجام مع كل نغمة، إذ لم يكن الجمهور مستهلكا وإنما بدا مستمعا ومتأملا في الآن ذاته، فتماهى مع الإيقاعات بالتصفيق ورقص بعضهم مع كل نوتة موسيقية. وخرج في نهاية العرض بخطى متثاقلة وكأنه لم يشبع من لحظة فنية لم تكتمل بعد.
ولا تسعى "لاس ميغاس" إلى إعادة تقديم الفلامنكو كما هو، وإنما حرصت على تفكيكه وإعادة تركيبه بمفردات موسيقية أكثر انفتاحا. وهذا ما جعل الفلامنكو يلتقي في عروض هذه المجموعة بأصوات البوب والموسيقى المتوسطية دون أن تفقد الموسيقى جذورها الأندلسية والكاتالونية. وهذه الخصوصية جعلت هذه المجموعة تحتجز مكانة مرموقة في المشهد الموسيقي الإسباني والعالمي، حيث توجت سنة 2022 بحصولها على جائزة Latin Grammy لأفضل ألبوم فلامنكو.
ويحيل اسم هذه المجموعة النسائية "لاس ميغاس" (أي "الفتات" بالإسبانية) على طبق غذائي إسباني بسيط تقليدي يتكون من بقايا الخبز لكنه غني بالنكهات يسد الجوع. وقد استعرن هذا الاسم تماهيا مع موسيقاهن أيضا، فالفلامنكو في العرض يتغذى من الموروث لكنه يكتسب معناه الحقيقي من خلال إعادة التشكيل والتصنيع والخلط والتجريب.
وفي مشهد موسيقي عالمي لا تزال المرأة كثيرا ما تختزل فيه في دور الراقصة أو المغنية المرافقة في موسيقى الفلامنكو، جاءت "لاس ميغاس" لتكسر هذا القيد فكن مغنيات وعازفات ومؤلفات يتقاسمن القيادة الفنية للفريق ويعدن صياغة الفلامنكو بصوت أنثوي قوي لا كاستثناء وإنما كقاعدة جديدة تفرض حضورها بثقة. وقد رافقهن في الحفل عازف تشيللو وموسيقية على آلة الباتري، ليكتمل المشهد بمزيج صوتي متناغم حمل أبعادا فنية وفكرية في آن واحد، فكان عرضا يستلهم من التراث ليعيد قراءته من منظور معاصر منفتح على العالم دون أن يقطع صلته بالأندلس أو كتالونيا.
وتسعى "لاس ميغاس" من خلال مشروعها الموسيقي إلى تجاوز الصورة التقليدية للفلامنكو الذي ظل لسنوات مرتبطا بالدور الذكوري أو برقص النساء فقط، لتؤكد أن المرأة قادرة أيضا على قيادة الصوت والإيقاع والتأليف الموسيقي في هذا الفن العريق.
 

شارك:

سبر أراء

ما هي أنواع البرامج التي تفضلونها أكثر؟

عدد الأصوات : 244

إشترك الأن

الإذاعة الوطنية
AUTOUR DE MIDI
RJ MUSIC
أم الحسن غنات
صدى الملاعب
أم الحسن غنات

أم الحسن غنات

13:00 - 14:00

ON AIR
الإذاعة الوطنية
AUTOUR DE MIDI
RJ MUSIC
أم الحسن غنات
صدى الملاعب