الرحلة الأخيرة لأوليس..قراءة للوحة الفنانة سهير حسني بعيون الناقد محمد المي

"الرحلة الاخيرة لاوليس"، لوحة التقطها النقاد محمد المي في معرض الفنانة التشكيلية سهير حسني الذي انتظم مؤخرا بفضاء التياترو5 ليستذكر معها قول محمد كرد علي في كتابه أمراء البيان متحدثا عن الجاحظ: " ..ولو أنك ألقيت قطعة من قلمه بين عشر قطع أدبية لغيره ، لما صعب عليك أن تميز كلامه من كلام غيره"،معلّقا هذا الكلام لا يصح على الأدب فقط ،بل يسري على جميع ألوان الفنون ،وخاصة منها الفن التشكيلي

مملكة العيون: الرؤية كحالة وجودية في عمل سهير حسني
هي لوحة مفعمة بالدلالات، ارتاى من خلالها محمد المي ان الفنانة سهير حسني تستدرجنا إلى عالم غريب في ظاهره، مألوف في باطنه، عالم تهيمن عليه العيون، لا كأعضاء بصرية فقط، بل كرموز وجودية وثقافية ونفسية"، ليواصل قوله نحن أمام غابة من العيون، متشابكة، متقاطعة، تتحول فيها الرؤية من فعل بيولوجي إلى حالة فلسفية وجمالية مركبة
مركزية العين الكبرى.. بين الذات والآخروالكلّي
وهو يجول بين تفاصيل اللوحة ويسبر تعبيراتها ، تملّكته عين تتوسّط اللوحة ،عينٌ قال عنها ضخمة مهيبة، قزحيتها متداخلة، يحيط بها هدب كثيف يخترق الفضاء، ليرى خياله "أن هذه العين ليست مجرد مركز بصري، بل قطب وجودي تدور حوله بقية العيون الصغيرة المتناثرة على خلفية سوداء وكأنها سماء مشظاة "

تكرار العيون: من التعدد إلى التهديد
تفحص المي تكرار العيون داخل اللوحة، فتحولت عنده الكتابة الى رحلة تخييلية للغة والتعبير والمحاكاة ، تكرار يُنتج حسب عينه الجمالية "شعورًا بالتكاثر والضغط، فالعيون هنا ليست استنساخات مريحة، بل تتفاوت في الأحجام والألوان، وتبدو أحيانًا متأهبة، حذرة، مستنفرة وكأننا في مواجهة جدران من نظرات لا تمنحنا لحظة عزلة"

"هذا التكرار يمكن قراءته ايضا، من منظور نفسي كعلامة على القلق الوجودي، أو من منظور اجتماعي كثقافة مراقبة دائمة، حيث تُلغى الخصوصية، ويُراقب الإنسان في حضوره وغيابه، وفي جسده وذاته لينتهي بالقول " نحن أمام مشهد رؤية شاملة خانقة، تكشف أكثر مما تحجب، وتُفكّك أكثر مما تُلمّ ازاء نظام خلايا بصرية، تتوزع فيه العيون كأنها مقاطع نسيجية أو فسيفساء حسّية موزعة بين مرايا متعددة "

اللون والمعنى الرمزي العميق: من السريالية إلى الاستبطان
ارتحل بنا محمد المي نحو معانقة المعنى في الالوان التي تنوعت بين درجات البني، الأخضر، والعنبر، مما اضفى على اللوحة حسب قوله طابعًا حيويًا عضويًا، أشبه بجسد حي ينبض بنظراته... تنتمي معه اللوحة إلى خطاب بصري يمكن وصفه بـالسريالية النفسية، حيث يُعاد تأويل الواقع من خلال رموز مألوفة (كالعين) توضع في سياقات غير مألوفة، لتخلق لغة جديدة للتعبير عن الباطن، لغة لا تعتمد على السرد أو التفسير، بل على الإحساس والانفعال"

اختتم المي رحلته التخييلية في ما وراء اللوحة ليقول ان العيون هنا ليست أداة للنظر فقط، بل أداة للتفكيك والتحليل والاستبطان،فهي التي ترى ما لا يُقال، وتكشف ما لا يُراد كشفه ،وكأنّ عمل سهير حسني تمرين فلسفي بصري حول سؤال الرؤية: هل نحن من يرى؟ أم نحن موضوعات مرئية، ففي "مملكة العيون" هذه، تتقاطع الذات بالآخر، الداخلي بالخارجي، البصري بالميتافيزيقي، لتنتج لوحة لا تُشاهد فقط، بل تشاهدنا أيضًا
 

شارك:

سبر أراء

ما هي أنواع البرامج التي تفضلونها أكثر؟

عدد الأصوات : 220

إشترك الأن

يحدث في تونس
تونس اليوم
زوم اليوم
الإذاعة الثقافية

الإذاعة الثقافية

ON AIR
يحدث في تونس
تونس اليوم
زوم اليوم