إسراء جعابيص وجه حر يضيء معرض تونس الدولي للكتاب: حين تكتب النار وصايا الأسرى

 في اليوم الأخير من معرض تونس الدولي للكتاب، لم يكن الجمهور على موعد مع كتاب فقط، بل مع حياة كاملة تقطر وجعا، وتصنع من الرماد حبرا ومن الشظايا نصوصا.

في جناح "حكايات Edition"، وبين رفوف الكتب وحشود القراء، وقفت إسراء جعابيص، المرأة التي واجهت النار والسجن والقهر، لتقول للتاريخ: "ها أنا ذا، أكتبني كما كنت، لا كما أرادني السجان".

 

والتأم هذا اللقاء، وسط حضور استثنائي من فلسطينيين وتونسيين، ومن طلبة ومثقفين وناشطين، لم يكن مجرد جلسة توقيع لكتاب، بل كان فعل مقاومة ناعما، صاخبا بصمته، جليلا بحضوره.

جاءت إسراء إلى تونس لا كضيفة، بل كقضية تمشي على قدمين، كجرح لا يزال ينزف، وكصوت يخرج من بين ركام الذاكرة ليحدث العالم عن أولئك الذين لا تزال جدران الزنازين تأكل أعمارهم.

 

"موجوعة"، الكتاب الذي وقّعته خلال هذا اللقاء، ليس مجرد سيرة ذاتية لأسيرة فلسطينية، بل هو لوحة مضمخة بالرماد والوجع، كتبتها أنامل مُعذبة تحترق ولا تنكسر.

الكتاب، الصادر سنة 2023، يعد أحد إصدارات مشروع "من كل أسير كتاب"، الذي يهدف إلى تحويل معاناة الأسرى الفلسطينيين إلى شهادة حية على القيد، من خلال الكلمة والسرد، لا بالصراخ، بل بالأدب الرفيع والبوح الناضج.

 

في كلمتها، لم تتحدث إسراء عن نفسها فقط، بل عن كل الأسيرات والأسري، عن صمت الزنازين الباردة، عن الوجوه التي نسيها الضوء، عن الرسائل المهربة تحت الجلد، عن الأمهات اللواتي يربين أبناءهن عبر القضبان.

معتبرة أن تحرير فلسطين لا يكون فقط بالسلاح، بل بالفكرة، بالوحدة، بالكلمة الحرة، وبالوفاء لمن لا صوت لهم.

 

هي لا تكتب لتبكي، بل لتقاوم. لا تكتب لتلعب دور الضحية، بل لتكون راوية لما لا يُروى.

"فضفضات"، هو كتابها القادم، سيتلو "موجوعة" في سردية طويلة عن كيمياء القيد وعن فلسفة المقاومة في حياة من عاشوا بين الحياة والموت.

 

إسراء، هي مناضلة فلسطينية من قطاع غزة تعرضت للاعتقال سنة 2015 وعانت من التعذيب في سجون الكيان الصهيوني لثماني سنوات حيث تم تشويه جسدها، وحكمت ظلما بالسجن 11 عاما، قضت منها 8 سنوات تحت ويلات التعذيب والإهمال الطبي، حُرمت خلالها من حضن ابنها الوحيد.

كانت النار قد التهمت جزءا من جسدها، لكن وجهها، رغم التشويه، لا يزال جميلا كراية مرفوعة، وعيناها لا تزالان تلتمعان كما تتلألأ عيون من لم ينكسر رغم كل شيء.

 

في 25 نوفمبر 2023، خلال عملية تبادل أسرى مع الكيان المحتل، نالت حريتها. لكنها لم تغادر المعتقل خالية الوفاض، بل خرجت وفي جعبتها حكايات ووصايا وأحلام مؤجلة، قررت أن تدونها لتخلدها، لا لنفسها فقط، بل لكل من عبروا مثلها درب الألم.

 

وفي معرض تونس الدولي للكتاب، استقبلت تونس إسراء بحب يشبه المأوى، حيث لم يكن الحبر فقط ما يغمر القاعات، بل شيء أعمق: الاعتراف الصامت بأن الحرية يمكن أن تستعار من الكتب، وأن من لا يكتب قصته، يكتبها عنه جلاده.

 

إسراء ستبقى أياما أخرى في تونس، لتشارك في فعاليات ثقافية جديدة، ولتخبر الحاضرين بأن النار قد تشوه الجسد، لكنها لا تمس جوهر الإنسان إذا كان مؤمنا بحقه، وبشعبه، وبأن الوطن لا يحرر إلا بالوعي أولا.

 

في هذا اليوم الختامي من معرض تونس الدولي للكتاب، لم تغلق الأبواب على الكتب فقط، بل فتحت نوافذ الوجدان على قضية، على امرأة، على شعب، وعلى نضال لا يطفئه الزمن.
 

شارك:

سبر أراء

ما هي أنواع البرامج التي تفضلونها أكثر؟

عدد الأصوات : 121

إشترك الأن

تونس

16° - 26°
الأربعاء26°
الخميس27°
الجمعة23°
السبت25°
الأحد29°
الاثنين26°
استوديو الوطنية
EL MATINALE JEUNES
أضواء
إعانة المتوجه
زوايا الأحداث
موجة حرّة - هادية قاري
إبتهالات
أضواء

أضواء

11:00 - 13:00

ON AIR
استوديو الوطنية
EL MATINALE JEUNES
أضواء
إعانة المتوجه
زوايا الأحداث
موجة حرّة - هادية قاري
إبتهالات