معرض تونس الدولي للكتاب: جمهور غفير في لقاء الروائي السعودي أسامة المسلم

في مشهد غير مألوف اصطفّ جمهور الكتاب في طوابير طويلة متعرجة داخل أروقة قصر المعارض بالكرم، وتحديدا في القاعة عدد 3 حيث كان الموعد المنتظر مع الروائي السعودي أسامة المسلم الذي استقطب مئات القرّاء من مختلف الأعمار، لكنّ الغالبية الكبرى كانت من اليافعين والشباب المتعطشين لعوالم الخيال والفانتازيا التي نسجها في رواياته.
اصطفّ محبّو الكاتب حاملين نسخا من رواياته على أمل نيل توقيع شخصي أو كلمة تذكارية. بعضهم جاء من مدن بعيد مثل المنستير وجربة افترش الأرض من شدة الإرهاق، بينما جلس آخرون يتبادلون الحديث حول أعماله في انتظار دورهم الطويل الذي بدا وكأنه لن ينتهي. وقد تحوّل مشهد الانتظار إلى طقس احتفالي بالأدب ومناسبة للقاء بين قرّاء يوحدهم الشغف ذاته.
تنظيم محكم رغم الزحام
وفاق هذا العدد الكبير كل التوقعات، ما استدعى تدخل عناصر أمنية حضرت لدعم مجهودات المنظمين حفاظا على النظام وتأمين سير حفل التوقيع بسلاسة. ورغم الزحام، كانت الأجواء تسودها روح الاحترام والتعاون في صورة مشرّفة للثقافة والقراءة.
وتحدثت وكالة تونس إفريقيا للأنباء مع عدد من الحاضرين، الذين عبّروا عن سعادتهم الغامرة بلقاء الكاتب الذي سكن خيالهم. تقول التلميذة وجدان وسلاتي التي ظفرت بتوقيع من الروائي السعودي أسامة مسلم إن ما يُميّز هذا الكاتب في نظرها، هو "قدرته الفريدة على أن ينقلك من واقعك اليومي إلى عالم آخر تماما عالم مليء بالأحداث والتفاصيل الغريبة والمشوقة". وتضيف والابتسامة تعلو محياها: "في كتابات أسامة لا تكتفي بقراءة القصة بل تشعر وكأنك أصبحت جزءا منها أوكأنك دخلت في وسط الأحداث وشاركت أبطال الرواية في مغامراتهم."
وتابعت حديثها: "أسلوبه مشوّق إلى درجة أنك لا تستطيع ترك الكتاب جانبا، إذ ما إن تبدأ في القراءة حتى تجد نفسك وقد أنهيت فصولا دون أن تشعر بذلك". وتواصل وجدان حديثها بعد أن جالت بعيْنها بعض الصفحات وقامتن بتقليبها على عجل: "قد تُنهي رواية من ستة أجزاء أو أكثر في وقت قصير ذلك ليس لأن صفحاتها قليلة وإنما لأنك لا تملّ منها أبدا. وعلى العكس تزداد تعلقا بكل صفحة وكل فصل وكل شخصية."
وأضافت: "بدأت قراءة أعماله برواية خوف وهي رواية مشهورة جدا يتحدّث عنها الجميع. قرأتها وشعرت فعلا أنني دخلت عالما مختلفا". وعن خصائص الكتابة عند هذا الروائي السعودي، لاحظت وجدان وسلاتي، وهي طفلة في 16 من عمرها، أن ما يميّز موضوعات كتبه هو أنها غير مكرّرة ولا تشبه القصص التقليدية عن الحروب أو "الأكشن المعتاد". وأشارت إلى أن "هناك دائما فكرة مبتكرة وموضوع مختلف الأمر الذي يجعلك تفكّر وتشعر وتندهش."
آراء القرّاء: أسامة المسلم يكتب من الخيال إلى الوجدان
غير بعيد عن موقف وجدان، ترى آلاء وهي أيضا تلميذة بالسنة الأولى ثانوي، أن أكثر ما شدّ انتباهها في روايات أسامة المسلم هو ذلك "المزيج الفريد بين التشويق والتميز"، فهي تعتبر أعماله "ليست كغيرها من الروايات التي نقرأها عادة والمواضيع التي يختارها مدهشة وجذابة وتلامس خيال القارئ وتدخله في عوالم جديدة ومثيرة."
وتستطرد قائلة: "طريقة الكتابة عنده ممتازة وأسلوبه مشوّق للغاية يجعلك تمضي من صفحة إلى أخرى دون أن تشعر بالملل أو التشتت، بل على العكس تجد نفسك ترغب في المزيد وتتشبث بكل تفصيلة كأنها لغز عليك حله."
أما عن بدايتها مع أعمال الكاتب، فقد ذكرت آلاء أن انطلاقتها كانت مع رواية "خوف"، ومنها فتحت لها نوافذ على هذا العالم الأدبي الفريد، قائلة: "قرأتها ثم مضيت بسرعة إلى الأجزاء الأخرى وبدا لي أن كل جزء كان أروع من الذي سبقه وكل نهاية كانت بداية لحماس جديد."
ولم تكن آلاء لوحدها التي انطلقت مع رواية "خوف" لأسامة مسلم، بل إن التلميذة ياسمين (17 سنة) لم يمنعها درب شعبة الرياضيات وعلم المنطق من الاهتمام بعالم الأدب والخيال. تقول ياسمين: "كانت بدايتي مع رواية خوف. ومنذ أول صفحة شعرت بأنني أمام كاتب مختلف". وتُضيف: "لم يكن السرد مجرّد خيال وإنما شعرت أنني أعيش مزيجا عجيبا بين الواقع والخيال وكل شيء واضح لكنه في الوقت نفسه غامض... الخيال ظاهر والواقع كذلك وكأن الحدود بينهما تذوب."
وتواصل حديثها بتأمل: "من وجهة نظري أسامة المسلم لا يكتب للكتابة، فهذا الروائيّ يخلق شخصيات حيّة لا ترى في رواياته الخير المطلق أو الشر المطلق وإنما تتفاعل مع كل شخصية وكأنها كائن حقيقي له أبعاده الإنسانية تجعلك تحزن لبعضهم وتخاف على بعضهم وتتعلق بالجميع. كما لا توجد شخصية ثانوية بل لكل منهم دور يكمّل اللوحة."
وتشير ياسمين إلى أسلوب هذا الكاتب السعودي بالقول: "اللغة التي يستعملها واضحة وسلسة لكنها لا تفرط في البساطة بل تناسب تماما طبيعة الروايات التي يغلب عليها الغموض والدهشة". وترى أن أعماله ليست أعماله مرعبة، فهي فقط تأخذ القارئ إلى عالم غريب وخارج عن المألوف، إذ بمجرّد أن تقتحمه لا ترغب في مغادرته."
مسيرة روائي سعودي صاعد نحو العالمية
والروائي السعودي أسامة المسلم من مواليد 5 مارس سنة 1977. حاز على جائزة الأدب ضمن "الجوائز الثقافية الوطنية" في دورتها الرابعة خلال العام الماضي والتي تنظمها وزارة الثقافة السعودية. تميّزت أعماله الأدبية بانتمائها إلى أدب الخيال والفانتازيا، حيث نجحت في استقطاب جمهور واسع محليا وعربيا. كما وتُرجمت بعضها إلى لغات أجنبية وتحولت مجموعة منها إلى أعمال درامية وسينمائية.
من أبرز مؤلفاته رواية "خوف" بثلاثة أجزاء والتي احتلت صدارة المبيعات محليا وعربيا وتحولت لاحقا إلى عمل تلفزيوني وملحمة "بساتين عربستان" ذات الأجزاء الستة التي تُرجمت إلى اللغتين الإنقليزية والصينية. ومن أعماله الملحمية الأخرى "البحور السبعة" و"ليلة ماطرة" و"وهج البنفسج" و"صخب الخسيف" و"شبكة العنكبوت" و"الوليمة" و"هذا ما حدث معي"، وكلها تنتمي إلى عالم فني فريد يمزج بين الغموض والتشويق والرمزية.