"زريعة إبليس" لمحمد خليل البحري: فيلم يُربك العقل والحواس

في عمل سينمائي جريء وقضية مثيرة للجدل وتُعتبر من المسكوت عنها، تابع جمهر الفن السابع مساء الجمعة بمسرح الأوبرا بمدينة الثقافة العرض ما قبل الأول لفيلم "زريعة إبليس" وهو من تأليف وإخراج محمد خليل البحري وإنتاج مجدي الحسيني. ويُصنّف هذا العمل ضمن أفلام الرعب النفسي والتشويق، مستندا إلى قصة حقيقية من عمق الموروث الشعبي التونسي، حيث تشتبك الطقوس الدينية بالممارسات السحرية، ويصبح الحدّ الفاصل بين التحصين والتلبّس مساحة رمادية تُثير الرعب والتساؤل. ويستند الفيلم إلى ظاهرة "التصفيح" أو "التحصين"، وهي ممارسة سحرية تُعرف في بعض المناطق التونسية وتهدف إلى حماية الفتاة من العلاقات الجنسية المحرّمة قبل الزواج. غير أن ما بدا إجراء وقائيا بريئا، ينقلب في سياق الفيلم إلى بوابة للجحيم، إذ يتحوّل الجسد المحصّن إلى وعاء مسكون تتحكم فيه قوى خارقة تتغذى على الخوف والصمت. وضمّ الفيلم كوكبة من الممثلين الذين أبدعوا في تجسيد شخصيات مأزومة ومركبة، من بينهم رشا بن معاوية التي جسّدت دور البطلة "بيّة" ومحمد قلصي ووحيدة الدريدي وأحلام الفقيه وحكيم بالكحلة ووسيم بكوش وعزيز باي، بالإضافة إلى الأسماء القديرة منى نور الدين وسلوى محمد وفتحي المسلماني.

// "زريعة إبليس": عنوان مكثف وصورة مخيفة وتتصاعد الحبكة في سياق نفسي محكم تتداخل فيه الأبعاد الدينية والطبية والاجتماعية، ليطرح الفيلم أسئلة حارقة: هل نحن أمام حالة تلبّس شيطاني أم اضطراب نفسي؟ وهل يُعالج الأمر بالقرآن أم بالعلاج النفسي السريري؟ وهل نلجأ إلى المشعوذ أم الطبيب؟ وانطلاقا من هذه الأسئلة لا يُدين الفيلم التصفيح كليا وإنما كان منطلقا ليُعرّي المسكوت عنه ويدفع المتلقّي نحو تفكيك الموروث بمنهج تحليلي. ويختصر العنوان وحده "زريعة إبليس" فلسفة الفيلم، ففي اللهجة العامية التونسية، يُطلق على المصطلح على "مثير الفتنة" أو "الشر" لقب "زريعة إبليس" أي أنه أداة من أدوات الشيطان. وهنا، يتحول التصفيح ذاته إلى تلك "الزريعة" التي تتسرّب منها بذور الهلاك. وتحوّل فستان الزفاف الأبيض النقي الناصع إلى ثوب ملوّث ترتديه عروس ملعونة بينما المحيطون بها من أهلها وطبيبها النفسي وجوه تائهة بين الخوف والذهول وكلهم أسرى لسرّ قديم يُعيد نفسه في صمت المجتمع وخرافاته.

// الصورة السينمائية: عين تتلصص على الرعب وتميز الفيلم بأسلوب بصري متكامل يعزز من إحساس الرعب والتوتر. وقد تجلى ذلك من خلال عدة عناصر فنية أبرزها حركة الكاميرا التي جاءت مدروسة بعناية وموظّفة بإتقان لخدمة حالة السكون المتوتّر والاهتزاز الفوضوي حسب الحالة النفسية للشخصيات خاصة شخصية "بية" وطبيبها النفسي "سليم". وقد استخدمت الكاميرا المحمولة لإبراز مشاهد الذعر، أما اللقطات القريبة فكانت موظفة لالتقاط رعب العيون وملامح الشخصيات وإبراز حالات اللااستقرار العقلي والروحي.

وتميّزت الصورة الفيلمية بالتدرّج في توظيف الألوان الباردة مثل الأزرق الرمادي والبنفسجي الداكن. وقد وظّفت ببراعة لتعكس الأجواء النفسية الخانقة والغامضة. كما جاءت الحركة البصرية في انسجام تام مع رمزية "زريعة إبليس" حيث أن الشر لا يظهر دفعة واحدة بل ينمو رويدا في طقوس العادات والتقاليد. كما لم يكتف المخرج محمد خليل البحري بإخافة المتفرج بالصراخ والمفاجآت بل راهن أيضا على الرعب الذي يتسلل ببطء وهدوء إلى المشاهد.

ونجح محمد خليل البحري في تقديم مادة تجمع بين الواقعية الاجتماعية والخيال المرعب في عمل يُعيد فتح ملف السحر والشعوذة في تونس لكن بزاوية مختلفة لا تكتفي بالإدانة بل تسعى للفهم والتحليل.

ومحمد خليل البحري هو من مواليد سنة 1988 وله في رصيده عملين هما "حجر الواد" و"لآخر نفس"، إلى جانب عدد من الأفلام القصيرة.

شارك:

سبر أراء

ما هي أنواع البرامج التي تفضلونها أكثر؟

عدد الأصوات : 115

إشترك الأن

تونس

15° - 26°
الجمعة28°
السبت31°
الأحد32°
الاثنين26°
الثلاثاء24°
الإذاعة الثقافية

الإذاعة الثقافية

ON AIR