متحف معقل الزعيم: شاهد حيّ على نضال بورقيبة لبناء تونس الحديثة

في ساحة معقل الزعيم (التي كانت تعرف سابقا برحبة الغنم) بمدينة تونس، يقع منزل قد يبدو للوهلة الأولى عاديّا، لكنه يحمل بين جدرانه إرثا تاريخيّا كبيرا يشهد على نضال الزعيم الحبيب بورقيبة (3 أوت 1903 - 6 أفريل 2000)، أول رئيس للجمهورية التونسية (25 جويلية 1957 - 6 نوفمبر 1987) وأحد أبرز رموز حركة التحرر الوطني. هذا المنزل الذي تحول إلى متحف يحمل اسم "معقل الزعيم"، يروي قصة كفاح وصمود ساهم في بناء تونس الحديثة وتحريرها من نير الاستعمار الفرنسي
يوم 9 أفريل 1974، تمّ تدشين متحف معقل الزعيم بمناسبة إحياء الذكرى الـ36 لملحمة 9 أفريل 1938، تلك المعركة التاريخية التي سقط خلالها العديد من الشهداء في مواجهة الاستعمار الفرنسي. وفي خطوة رمزية لنضالات الشعب التونسي من أجل الاستقلال، كان الحبيب بورقيبة نفسه حاضرا لافتتاح هذا المعلم الثقافي الذي يروي قصة كفاحه المستمر رفقة التونسيين ضد الاستعمار ونضاله من أجل استقلال تونس
المنزل: ذاكرة تروي قصص النضال
وكان هذا المنزل الذي أصبح اليوم متحفا، ملكا لعائلة بن حمودة، حيث استأجره بورقيبة رفقة محمود الماطري في أواخر العشرينات من القرن الماضي، ليصبح في الثلاثينات مقرا لإقامته هو وعائلته. ورغم مرور الزمن، لا يزال المنزل يحتفظ بطابعه المعماري الفريد مع غرفة الجلوس وغرف النوم والمكتب الذي كان يخص المحاماة التي انتقل إليها من باب سويقة.
ويعكس كل ركن من أركان هذا المنزل جزءا من تاريخ الزعيم حيث تتمثل ذاكرته في كل قطعة أثاث أو صورة تزين الجدران. وتعمل إدارة المعهد الوطني للتراث على صيانة هذه التحف لتبقى شاهدة على مرحلة مهمة من تاريخ تونس الحديث
الطابق العلوي: توثيق ملحمة النضال الوطني
وفي الطابق العلوي من المتحف، يتجسد التاريخ في صور ومخطوطات ووثائق تروي مسيرة النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. ولا تقتصر الذاكرة على الزعيم بورقيبة وحده وإنما تشمل أيضا الرموز الكبرى للحركة الوطنية التي ساهمت في تحرير تونس. وقد كان هذا المكان شاهدا على العديد من الاجتماعات التي عقدها بورقيبة مع مناضلي الحركة الوطنية حيث تم التخطيط لأساليب المقاومة ضد الاحتلال
ومن هذا المنزل أيضا، اعتُقل بورقيبة في فجر 10 أفريل 1938، بعد قمع الاستعمار لمسيرة 9 أفريل، والتي أسفرت عن سقوط العديد من الشهداء. كما شهد المكان خطاب بورقيبة التاريخي في 1 جوان 1955 بعد عودته من منفاه، وهو الخطاب الذي أعلن فيه الاستقلال الداخلي لتونس
مفتوح للجميع مجانا
ورغم أهمية هذا المعلم التاريخي، يبقى متحف معقل الزعيم مفتوحا مجانا للزوار من مختلف الأعمار. وما إن تطأ قدم الزائر المتحف حتى تنقله أجواء المكان إلى حقبة الثلاثينات، فالزائر الذي يتجول في غرفة نوم الزعيم أو في قاعة الاجتماعات لا يستطيع إلا أن ينساق بخياله نحو تلك الأيام العصيبة التي عاشها بورقيبة وشعبه. وقد يرى في مخيلته مشهد اقتحام الجنود الفرنسيين للمنزل، أو يسترجع معركة 9 أفريل 1938 التي ألقت بظلالها على الأحداث القادمة. وعندما يقف الزائر على شرفة الطابق العلوي، قد يشعر وكأنّه يستعيد لحظة تاريخية لا تنسى: خطاب 1 جوان 1955 أمام الجموع الهاتفة للزعيم وللوطن
ويظلّ متحف معقل الزعيم ذاكرة حية لحركة تحررية كان لها الأثر الكبير في معركة ما بعد الاستقلال، حيث تكفل بورقيبة ببناء دولة حديثة تستند إلى التعليم والثقافة وحقوق المرأة، بالإضافة إلى العمل على القضاء على الفقر والجهل مع الحفاظ على وحدة تونس واستقلالها