البث الحي

الاخبار : أدب و إصدارات

105293568_10223018960644155_8309157713202525307_o

صدور رواية جديدة للكاتب التونسيّ الدكتور مصطفى الكيلاني

عن دار ديار للنّشْر والتوزيع في تونس صدرت رواية جديدة للكاتب التونسيّ الدكتور مصطفى الكيلاني بعنوان « مُدُن وَتَوابيت Coronavvirus » ،
وهذه الرواية التي تقع في حوالي 90صفحة ، نَصٌّ سَرديٌّ مٌسترسِل حيث لا نقاط ولا فواصل وعلى القارئ وحده أن يدرك متى تبدأ الجملة ومتى تنتهي ، ويُمكِنُ عَدَّ هذه الرواية تجريبيّةً على مستوى الأسلوب ، ونموذجاً رائداً لانعكاس تداعيات جائحة الكورونا على تقنية الرواية العربيّة ومناخاتها اللاهثة، بدونِ قَطْعٍ حادّ مع لغة الكاتب الكيلاني ومهاراته الأسلوبية.

مقطع من هذه الرواية التي تقع في فصل واحد:
 » مُتْعَبٌ أَنَا لُغَتِي مُتْعبة لا مَنطق الآن لِلُغَتِي وَدُروسُ النَحْو ما عَادت تُجْدي بَعْد قَتل الجملة على صَلِيب هذا الوَقت الغادر أَمْشِي ثُمّ أَمْشي في شوارع المَدِينة المُقْفِرة ولا رغبة لِي في العَوْد إلى سجن بَيْتِي ولا رَغْبَةَ لِي في سماع أخبار اليَوْم ولا رغبة لِي في انتِظار أَيّ شَيْء ولا رغبة لِي في استقبال لَيْل آخر بَعْد اللَّيْل الّذِي مَضَى وَليال أُخرى سابقة مُتَماثلة ولا رغبة لِي في أَنْ أحيا بَيْن اطمئنان كاذب وقلق أَعْمى غادر ولا رغبة لِي في أن أَظَلّ أَسِير لُغَتِي الّتي ما عادت لُغَتِي وما عادت لُغَةَ أَحَد ولا رغبة لِي في التفكير مادامت لُغتِي غَرِيبة عَنِّي وأنا غريب عنْها وَسِواي مُسْتَنفَر بِفَظاعة أنانِيّته وَلَنْ أَبحث لِي الآن عن لُغَة أُخرى أَستعيض بها عن لُغتِي الهالِكَة ولا حاجةَ لِي الآن إلى مَنطق آخر إلى نَحْو آخر إلى حَياة جُمْلةٍ أُخرى لِفَظاعة إنسانِيّتِي الّتي أبْصرها اليَوْم تتعَرّى بِالكامل أمام أَنْظار الجَمِيع أَتعجّب مِن أَطبّاء مُتَفاخرين مِن قمْع جَدِيد مِن دفْع الحياة إلى أقصاها مِن مُقايَضة الصِحَّة بِالحُرّيّة أَضحكُ بِمَرارة على فلاسفة الحُرِّيّة على اختيار بِلا اختيار على اختِيار بَيْن مَرَض وَخُبْز على اختِيار بَيْن حَبْس وَحَبْس لِأَوّل مَرّة في تاريخ إنسانِيّتي يُحْبَسُ الجميع والأحكامُ زَجْرِيّة بِالتَرْهِيب الإعلامِيّ الحاكم طَبِيبٌ السَجّان شُرْطِيّ مُطِيع لا امتناع ولا اعتِراض وَخَلْف سِتارَة المَسْرح الكَوْنِيّ سادة كِبار يُخَطّطُون لِمَمَالك جَدِيدة وَمَكاسب جَدِيدة وَمُسْتعمرات جَدِيدة وَمُسْتَعْبَدِين جُدُد وأمْراض جَدِيدة وَأَدْوِية قَدِيمة وأُخرى جَدِيدة مُخَبّأة إلى الآن أَمْشِي لا أُفُقَ لِي لا وَقتَ لا شَيْء أتَلهَّى به عَدَا الرُجوع إلى تِلك العَتبة في ذلك الشارع لِأَتثبّت في تِلك الدُمْيَة المُشَوّهة قد تظهر لِي تِلك الطِفلة ثانِيَةً الأشياء البَسِيطة تَمْضِي في حال سبِيلها ولا أَثَر مِن حَقِّي أن تَكُون لِي رغبة مُؤَقّتة وُجْهَةٌ مُؤَقّتة فَرْحَة مُؤقّتة انتِظارٌ مُؤَقّت الشَوارعُ أَعادَتْنِي دَوَرَانا إلى ذلك الشارع في الاتِّجاه الآخر مِنه مَحَطّة قِطار مُغلَقَة سِكَك الحَدِيد مُقْفرة القِطارَات بِالعَشَرات مُتَوَقّفة ساعَة المَحَطّة على الجِدار المُقابل لا تُشِير إلى أَيّ وَقْت عَقاربُها مُعَطّلة مُنذ حُلول الكارِثَة الشارع لَيْس هُو ذلك الشارع أنفارٌ قلائل بِوُجوه مُكَمّمة يحثُّون الخُطَى إلى بُيوتهم إثْر تَسَلّعهم في مَتاجر قريبة بَعْض قِطط مُنْدهشة مِن قَفر الشارع تتنَقّلُ بَيْن حاويات القُمامة الشمس تُشرق حِيناً وتحتجبُ أحيانا لا شِتاء لا ربيع أنفارٌ آخرون بِوُجوه مُكَمّمة يبتلعهم فَراغ آخر الشارع وَحِيداً أمْشِي أَتَلهّى عن مِشنقة الوَقت بِالبَحْث عن طَيْف تِلك الطفلة المُختفي بَيْن إغفاءَة وَأُخرى لَحْظة مُرورِي مِن رَصِيف إلى رَصِيف العَتبة هُناك عليْها يجلس شَيْخ مَا عاد راغِباً في الحَياة تحْلِيقُه في الفراغ انتِظارُه لِقادم لن يأتي بِالقُرب مِنه تِلك الدُميَة البلاستِيكيّة لا رأس لها بَعْد أن فقدت ساقَيْها في وَقْتٍ مَضَى وُقوفِي أَمَامه لم يُعره أَيّ اهْتِمام ولا حاجَة له إلى الكَلام وَجْهُ الشَيْخ بِلا كَمَّامة ابْتهج هُو الآخر حِينما رَآني أنا أَيْضاً بِوَجْه سافر مَعاً نَحْن الاثنَيْن نُفَكّر في اللَّا- شَيْء وَلِكُلّ مِنَّا انفِرادُه الخاصّ هُو شَبِيهي بل صِنوي اختارَ الجُلوس هُناك على العَتبة تِلك العَتبة في شارع كَغَيْره مِن الشَوارع وَفِي مَدِينة كَغَيْرها مِن المُدُن أنا سِوَاه أَيْضاً وهو سِواي أنا ألبس مِعطَفًا طويلا وهو أَيْضاً شارباي كَشاربَيْه كُلٌّ مِنَّا لا ينتظر أحدا أنا أَتَطلّع إلى وَجْهه بِفُضول لا يُعِيرني أَيّ اهتِمام دلِيلٌ آخر على أَنّنِي لَسْتُ أنا بِالكامل مَا دام شتاتي في ازدِيَاد لا حاجَةَ لِي إلَيْه لا حَاجَةَ له إلَيّ وإنْ بَدَا صِنْوي أو سِواي لُغَتِي ما عادتْ لُغَتِي لا مَنْطق لا نحو لا معنى بَعْد اليَوْم مُنْذ بَدْء ذلك اليَوْم وَلِي أن أَتَحَرّر مِن إنسانِيّتي الغادِرَة إنسانِيّتي السافِلَة إنسانِيّتي المُنافقة إنسانِيّتي المُتَعجرفة قَلِيلٌ مِن سَمِيدٍ لِلْفُقَراء وَالمُحْتاجِين قَلِيلٌ مِن فارينة مِن طَماطم مِن زَيْت مِن كُسْكسي مِن جافال قَلِيلٌ مِن عَطف قَلِيل مِن إحسان قَلِيل مِن مال طوابير طوابير شُيوخ عَجائز طَوابِير شُبّانٍ كُهول يتدافَعُون أمام مَقَرّات البَرِيد طَوابِير أمام مَقارّ المُعْتَمديّات عَرَقٌ لُهاث أحزان صامِتَة أطفال جائعون ينتظرُون في مَساكن رَثّة آباء أبناء أُمّهات بَنات مُعطّلُون قَلِيل مِن سَمِيد قليل مِن مَكارُونة قَلِيل مِن كُسكسي جُوعُ بُطونٍ جُوعُ عُقولٍ جُوعُ أَرْواحٍ أَمْضِي وحيدا باحِثاً لِي عن طفلة كانت هُناك وقتي هُو آخر عَشيّ وَلِي في البَيْت الّذِي سَأَعُود إلَيْه حَتْماً أخبارٌ لِمُصابِين جُدُدٍ لِأَمْواتٍ آخرين لِتَوابِيت أُخرى في مُدُن قَرِيبة وَبَعِيدة البابُ أفتحه بَيْتِي كما هُو لا أَصْوات لا حَرَكات غُرَف بِلا أَرْواح بَيْتِي الآن كان بَيْتِي اسْتَحال بغتةً إلى قاعة إنعاش تِلك القاعَة هِي ذاتُها لم تتغَيّر تراءَت لِي أطياف أشيائها وأَنا أَصْحُو مِن إغماءَة أُخرى الوُجوهُ تِلك الوُجوه المُكَمّمة عادت إلَيّ أَلِفَتْنِي أَلِفْتُها اختِناقٌ طارئ تَثْبِيتُ الخرطوم نَصْلٌ آخر خَدَرٌ بادئ السَكاكِينُ تَسَلّلت إلى داخل رئتيّ دقّاتُ قَلْبِي المُتسارعة أَسْمع وجيبها العالِي في صُدْغيّ أهمّ بالصُراخ جَسَدِي مُنْهك أحترق في الداخل كَأَنّه نَزِيف دَم وَخْزَةُ نَصْل آخر طَيْف المَرْأة الخُفّاشِيّة تراءى لِي وأنا أغرق في خَدَرِي يحملني إلى ضجعة أُخرى أَبْصَرْتُها أو كَأَنّنِي أبْصرها لا تصرف نَظَرها عَنِّي لُعابُها مُتَقاطر عَيْناها حَمْرَاوان شهْوتها تشتدّ تهمّ بِالوُقوف لِتَتّجه إلى حَيْث أنا مُمَدّد لِتَحْتَوِيني لِتَمْتصّ آخر ما تَبَقّى مِن رُوحي المُسْتنزَفَة مُنْهَكٌ أنا وَلُغتِي مُعَطّلة تتقاذفها أوْجاعي كَوابِيس أَوْهامِي استِيهاماتِي إنِّيّتي المَغْدُورة إنسانيّتِي الغَادِرَة لحظةَ أهلك سَتعبث بي أيادٍ وَسَيَتبَرَّأُ مِنّي الأَهْل والأصحاب وَالجِيران سَأُدْفن لَيْلاً مِثل كَلْب مَسُعُور سَيَعافني التُراب سَتَعافنِي القُبور سَيخاف مِنّي الأحياء لَنْ يبكِيني أَحَد وَدِيداني ستعافني هِي الأُخرى كَأَنّ تِلك الوُجوه المُكمّمة ما عادت ترأفُ لِحالِي المَوْت الرَحِيم أفضل لِي فَمَنْ يُسْعفني به؟ أَتَوَسّل صامِتاً لا آذان تُصْغي إلَيّ ذَبْحي طالَ أَلَمِي طالَ جَسَدِي كَأَنّه ما عَاد جَسَدِي لُغَتِي المُتَبقيّة أنّات تَوَجُّع بَيْن شِبْه استِفاقة وَأُخرى أشتعلُ أَنطفئ ثُمّ أَشتعل لِي بعضٌ مِن ذاكرة ناحِلة تعيدني بَيْن الحِين والآخر إلى شوارع تِلك المَدِينة المُتماثلة أَجِدُني أَمْشِي بِلا وُجهة لا صَدِيق أَلْتَقِيه لا وَقْتَ لِي وَإنْ أنا أحْيَا بِذَابل لُغتِي لا وَقْتَ لِي واللَّحْظة المُتَرسّبة وَحْشٌ كاسِر يَقْتات مِن آخر ما تَبَقَّى مِن رُوحي الذَبِيحة استَيْقظ لا أَسْتَيْقظ وَجَعِي لا يُحْتمل مُتْعب جِدّاً أَنا مُشَتّت مُقَسّم مُسْتَنْزَف مُسْتَفْرَغ غاضب لاعِنٌ لِإنسانِيّتي القَبِيحة المُتَجمّلة العاهِرَة المُنافقة المَنازل مُتشابهةٌ الأبْوابُ مُتَماثلة السَاحاتُ حَزِينةٌ المَآذن حَزِينة لِي شَوْقٌ إلى الجَمْع لا أخاف مِن المَوْت بل أخاف مِن أن أهلك وَحِيداً بِلا شُهود عَلَيّ الوُجوه المُكمّمة أَراهَا تهْرع إِلَيّ بَيْن شِبْه يَقَظة وَأُخرى أَرانِي أَمْشِي في شوارع مَدِينة كَغَيْرها مِن المُدُن أو مُمَدّداً على سَرِير في غُرْفةٍ لِلْعِنايَة المُرَكَّزَة أو سَجِين كابُوس مُتَكَرّر في مَكان مَهْجُور بَيْن طَيْفها وَطَيْف ذلك الجرذ أَمَلٌ خافت وَحِيدٌ جَعَلَنِي أَتَمثّل نِهايَةً قادِمَة إذْ لَيْس بَعْد الحَياة إلَّا حَدّ أَخِير أَسْتَيْقظ قَلِيلاً أَرى الأشياء شِبْه مُتَجلّية قاعة مُغْلقة بِزُجاج سَمِيك آلات طِبّيّة بِخَراطيم وأسلاك كَثِيرة أضواء خافتة تنبعثُ بِاَلْوان مُختلفة وَعْيي لِلْمَكان سُرْعان ما تَضاءَل بِإغفاء أو إغماء طارئ ».

بقية الأخبار

الميثاق-التحريري

مشروع إصلاح الإذاعة التونسية

مدونة-سلوك

الميثاق

تابعونا على الفيسبوك

فيديو