البث الحي

الاخبار : الاخبار

52001081_1211078012389566_4016217162506043392_n

مسرحية « هوامش على شريط الذاكرة »: عندما تكون ذاكرة الناس متذبذبة تتصدّرها الأحداث الهامشية

على خشبة المسرح شيخ وحيد يجلس على كرسي متحرّك، تراصت على طاولة مكتبه أشرطة « فيديو كاسات »، وعلى يمينه آلة تسجيل فيديو قديمة، تبدو الشخصية في حالة جمود تام تزامنا مع دخول الجمهور إلى القاعة، تنطفئ الأنوار داخل القاعة، ثم يُضاء الركح مع صوت مسجّل يستمع إليه العجوز، كان قد سجله عندما بلغ عقده الثالث من العمر.
بهذا المشهد، افتتح العرض ما قبل الأول لمسرحية « هوامش على شريط الذاكرة »، بقاعة الفن الرابع بالعاصمة مساء السبت، وهو عمل من إخراج أنور الشعافي، أداء رضا بوقديدة ومنى تلمودي وإنتاج المسرح الوطني التونسي.
تدور أحداث المسرحية، وفق ما جاء في الورقة التقديمية لها حول « رجل مسن ينبش في ذاكرته المفقودة، يعاين، يسجّل و يستعيد أحداثا بالصّوت والصّورة، لكنه يجعل الهامش والتّفاصيل البسيطة في صدارة اهتمامه ».
وهذا العمل هو مشروع ختم الدروس الجامعية أنجزه أنور الشعافي سنة 1988 لما كان طالبا بالمعهد العالي للفن المسرحي، وأشرف على تأطيره آنذاك الأستاذ رضا بوقديدة. وقد قدّمها أنور الشعافي ذلك العام في شكل مونودرامي.
وهاهو اليوم يعود إلى هذا المشروع بعد مرور ما يُناهز 30 سنة. انقلبت الأدوار في هذا العمل، فأصبح أنور الشعافي مُخرجا للمسرحية وصعد الأستاذ رضا بوقديدة على الركح ليؤدي دور الشخصية الرئيسية. وأدخل أنور الشعافي على عمله الجديد- القديم مجموعة من التغييرات على مستوى الشكل، فحوّله من مونودراما إلى مسرحية ثنائية بعد أن أشرك الممثلة منى تلمودي في أحداثها، وتقمصت شخصيات عديدة منها الموظفة والممرضة والخادمة والمصوّرة.
مسرحية « هوامش على شريط الذاكرة » كُتبت وأُخرجت في شكل سيرة ذاتية، غلب عليها العبث والتشتت والفوضى، وهي كتابة ركحية رافقتها رؤية إخراجية تعمّد أنور الشعافي توظيفها، والمقصد منها التعبير عن حالة التشتت الذهني والتمزّق التي تعيشها الشخصية البطلة، ولذلك وردت الأحداث في المسرحية متسارعة ومبعثرة وغير مرتبة، فغاب عنها التناسق والانسجام والربط المنطقي بينها، وترك المخرج للمتفرّج وظيفة إعادة ترتيبها وتحليلها وقراءتها.
تقفز أحداث المسرحية في الزمان والمكان بنسق غير منظم، فتارة تحمل المتفرّج إلى أحداث انهيار جدرا برلين وطورا إلى أحداث 11 سبتمبر 2001، ثم إلى أحداث الثورة في تونس، ثم عادت بالمتفرج إلى الوراء وتحديدا الى تاريخ مونديال 1978 بالأرجنتين. واستعادت شخصية الشيخ هذه الأحداث بطريقة هامشية، فبدت بسيطة تافهة وليست في صدارة اهتماماته.
يكتشف المتفرّج من المشاهد الأولى للمسرحية أن عملية تسجيل الأحداث واستعادتها صوتا وصورة عبر تقنية الفيديو، هي من العادات التي دأب على اتباعها هذا الرجل المسن في ذكرى ميلاده منذ أن كان شابا، وأن الأحداث المبعثرة التي تمّ استعراضها إنما هي رحلة في ذاكرة الشخصية التي تعيش صراعا مع الذات بين الحاضر والماضي، وهي منعزلة عن العالم الخارجي لا تربطه به سوى امرأة شغلت دور الممرضة والخادمة.
تنتهي المسرحية بشريط فيديو يُصوّر مغادرة الشخصية القاعة إلى الفضاء الخارجي حيث يغيب عن الناظرين، وفي المقابل تأخذ الفتاة مكان العجوز وتبدأ في تسجيل فيديو يُبث مباشرة على موقع للتواصل الاجتماعي، فيبدو المشهد كما لو أنها بداية عملية تسجيل جديدة للأحداث، وأن صاحب هذا التسجيل سيلقى المصير نفسه الذي لقيَهُ الرجل المسن، بعد عقود من الزمن، وأن الذاكرة لن تستحضر إلا الهامش من الأحداث مهما اختلفت أدوات التسجيل.

وات

بقية الأخبار

الميثاق-التحريري

مشروع إصلاح الإذاعة التونسية

مدونة-سلوك

الميثاق

تابعونا على الفيسبوك

فيديو