البث الحي

الاخبار : الاخبار

49947966_542360289605076_1770932779849089024_n

مسرحية دون كيشوت تونس : التوظيف الماكر للفرجة و صنع الفضاء التشاركي بين المتلقي وصانع الفرجة

قدّم المخرج معز العاشوري سلسلة عروض لمسرحية  « دون كيشوت تونس » أو « حب تحت المراقبة » ، المسرحية يقدمها على الركح كل من هندة الغابري، رامي الشارني ، جميلة كامارا، بشير الغرياني ، محمد سفينة ، رضوان شلباوي، زينب مـحمد ، خليل بن مصطفى ومعز العاشوري.

و تبحث المسرحية في مسالك الفرجة الحية عن لحظتها الآنيّة لتلامس أشكالا تعبيرية بدئية وتكشف جذبتها السحرية وتؤسس لكتابة فضائية ، في احتفالية تنبني على التشاركية بين المتفرج وصانع الفرجة الحية ضمن سياق  تواصلي إجتماعي وثقافي بين الباث و المتلقي .

شخصيات غرائبية تصنع الفرجة:

لئن وفرت الكتابة الدراماتورجية في مسرحية « دونكشوت تونس » أشكالا فرجوية مختلفة مثلت الحركة السركوية والحركة الراقصة واللقطة السينيمائية والفعل السردي أهّم عناصرها الفنية ، فإن توظيفها الماكر صنع فضاء تشاركيا بين المتلقي وصانع الفرجة.

توفر تقنية التراباز السركوية ( Trapèze fixe ) بعدا أفقيا يجعل الفضاء السينوغرافي متعدد  الأبعاد  يمكّن الشخوص من صناعة الفضاء الخيالي المقترح في الكتابة الدراماتورجية ،حيث تصبح أداة التراباز أيقونة متعدّة الوظائف في مشاهد المسرحية الفرعية « دونكشوت تونس » ويلعب الممثل دورا أساسيا في صناعة الفضاء اللعبي عبر أداة التراباز واستخراج المعانى المقصودة من خلال فعل الشخصية ، وتختلف بهلوانية الشخصية في تعاملها مع الأداة السركوية على بهلوانية اللاعب السركوي الذي يبحث عن تناسق المنحوتات الجسدية مع الأداة عكس الشخصية التي  توظّف حركاتها الإجتماعية أو الطقوسية أو تلك الحركات النابعة من أقنعتها الداخلية ( النفسية ، الحيوانية …) من أجل إضفاء معاني مختلفة على أداة التراباز ، وبالتالي تصبح  هذه الأداة قابلة للتحوّل بفعل الشخصية ،

ويتجلّى لنا ذلك من خلال علاقة شخصية دونكشوت  بالتقنية السركوية التي تتحول إلى حصان خشبي  بفعل الحركات البيوميكانيكية للحصان و المستخرجة  من داخل الشخصية  والمتعاضدة مع حركة أداة التراباز فيتناسقان وينسجمان ليشكلا حصانا خشبيا يرنو إلى أفق مجهول.  كما تكشف لنا المنحوتات الجسدية للمرأة المرجومة المتناسقة مع الأداة السركوية لتجعل  منها آلة تعذيب يستعملها المتطرفون  لإهانتها وإذلالها.

صنعت هذه الشخصيات الغرائبية والعجائبية في تعاملها مع الأداة السركوية فرجة حية جعلت التواصل والتفاعل والانسجام ممكنا بين الفضاء اللعبي وفضاء الجمهور.

   التقنيات البصرية والمقطوعات السردية :

تمثل التقنيات البصرية والمقطوعات السردية أهم العناصر الفنية المؤسّسة لفضاء الأستديو التلفزي في المسرحية الأصلية »حب تحت المراقبة  »  التي توثّق  وقائع  أحداث إنتاج مسرحية « دونكشوت تونس » مما يتطلّب تقنيات توثيقية أهمّها الربط المباشربين الصورة الركحية للشخصيات الساردة والصورة السينيمائية أو التلفزية عبر آلات الكاميرا والتي تتحوّل  بدورها من آلات تصوير إلى آلات مراقبة وتتحوّل على إثرها الصورة السينيمائية أو التوثيقية  إلى صورة رقابيّة .

ذلك ما يعطي للفرجة  الحية واقعية عبر النقل المباشر والآني للعملية السردية والتي نجدها تارة  تستحضر أحداثا ووقائع في الماضي بإعتماد علامات وصفية ومكانية وزمانية واقعية   و تارة تعبّر عن مكنونات وخواطر ومواقف الشخصية متوسّلة بلغة شعرية تنزاح عن اللغة اليومية العاديّة وتصنع فضاءا نصيّا حُبْلى بالصور الشعرية يفجّر فرجة حيّة فيلامس شظايا من الذاكرة الجماعية  تجعل العلاقة تشاركية بين السارد والمشاهد… يصبح المشاهد شاهدا وموثّقا للأحداث وأراء ومواقف الشخصيات فيتوحّد الفضاء السردي مع فضاء الجمهور ليتفاعل المشاهد مع المسرود من شخصية دالي الماروكي (رجل المخابرات الأمنية) ،حيث يسرد لنا الفرق بين نوعين من البشر(بشريّة متلهّفة وبشرية ساكنة..) معتمدا على تجربته في  مراقبة تحرّكات البشر عن طريق أجهزة المراقبة:

« وقتِلي نراقب حركات العباد من أعلى قمّة تنجّمْ تقسّْم تصرفات البشرية إلى مرحلتين: مرحلة الحركة الجرثومية السلبية ومرحلة الحركة الساكنة… في مرحلة الحركة الجرثومية السلبية يظهْرولكْ الناس يتحركو كالمهبْلة في الكيّاسْ من غير تفكير ولا إحساسْ وكي تركّز مع  عمايلهم اللّي أكبر من جُرْمْهم  تقول نحطْهم في كسكاس ونغرْبلْهم  ونكسْكسْ خيار الناس ونرمي البقية في الأكياسْ.  وفي مرحلة الحركة الساكنة يلفت انتباهك بشرْ لا يضرْ ولا صاحب شْر قليل  الحركة واسع البركة  ديما في سكون بعيدْ على العيونْ، الناس هَذُومَا كيما الأكوان الصغيرة دورتهم في الأرض ثابتة أصولهم نابتة نغمة حركاتهم عابدة. هذا علاه يناديوهم بالمتصوّفة أما اللي يراقبو فيهم يصنفوههم بالخلايا النائمة« 

توثّق الكاميرا إعترافات دالي الماروكي وتبثّ لقطات سينيمائية مختلفة على شاشات الحقائب التي تبدو كأنّها شاشات تلفاز ، ويصبح المتفرّج جزءا من المشهد الموثق لحضوره كشاهد في العملية التوثيقية . يعتمد التصوّر الفني للعرض على التراوح بين المشاهد السرديّة في المسرحية الأصلية « حب تحت المراقبة » والتي توثّق واقعة اجتماعية ثقافية وفنية ومشاهد احتفالية في المسرحية الفرعية « دونكشوت تونس » ، تفرضه تداخل الأزمنة(ماضي، حاضر ،حاضر متواصل..) والفضاءات(واقعية، سريالية) وهو  مافتح آفاقا رحبة للأشكال المسرحية (المسرح داخل المسرح والمسرح التوثيقي والمسرح الإحتفالي) وبالتالي وفّرت عناصر فرجويّة وتوثيقيّة وسرديّة وجسديّة وسينوغرافيّة ..متراوحة بين الواقعي والسريالي على غرار اللباس الذي يبدو لنا  غرائبي وعجائبي متلائما مع الشخوص السريالية  (دونكشوت وسانشو…) ويعود واقعيّا في الفضاء السردي ليلائم واقعية السارد والمسرود(عزيز ـ عزة ـدالي الماروكي).

هذا و من المنتظر ان تقدم مسرحية « كون كيشوت تونس » سلسلة من العروض خلال هذه الصائفة في عدد من المهرجانات الوطنية و الدولية الصيفية .

عائدة الهميسي: كاتبة مسرحية

بقية الأخبار

الميثاق-التحريري

مشروع إصلاح الإذاعة التونسية

مدونة-سلوك

الميثاق

تابعونا على الفيسبوك

فيديو