البث الحي

الاخبار : الاخبار

48027360_10217904613147664_7338566866396250112_n

مسرحية « البرباشة » للمودعين بسجن المهدية : طرح فني لقضايا اجتماعية وسياسية راهنة

في مصب نفايات يعيش مجموعة من المهمشين تحت سلطة المسؤول « سي الحضري »، يضيق بهم الحال وتشتد رغبتهم في الخروج ويكثر الصراع بينهم وبين الحضري لكنهم يقررون الخروج رغما ولا يمكنه منعهم خاصة مع صدور قرار يقضي بتحويل مصب النفايات إلى عمارات سكنية خاصة مع ارتفاع عدد سكان المدينة، لكن هروبهم من وضع « البرباشة » رمى بهم في عرض البحر حيث هاجروا على مركب بطريقة غير قانونية ليلقوا حتفهم وتُدفن أحلامهم .
ذلك هو، في الظاهر، ملخص أحداث مسرحية « البرباشة » التي قدمها صباح السبت بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون، مجموعة من المودعين بسجن المهدية، بدعم من المندوبية الجهوية للثقافة ومركز الفنون الدرامية والركحية بالمهدية، وذلك في إطار فعاليات الدورة العشرين لأيام قرطاج المسرحية، وهو خامس عمل للمساجين يُعرض في هذه الدورة التي يسدل عليها الستار يوم غد الأحد.
بغناء شعبي حزين ينطلق العمل قبل أن يستهل كل واحد من « البرباشة » المشتغلين في المصب، قص حكايته الغارقة في الحزن والألم. عثور أحدهم على دمية في حاوية الفضلات عمّق جراحه وجعله يستحضر الماضي الأليم والحاضر المظلم، فقد ولد ذات يوم مظلم قُطع فيه التيار الكهربائي عن نصف المدينة، وُرمي به وهو رضيع في القمامة وعثرت عليه امرأة « برباشة » (أي تجمع الفضلات ) فتولت تربيته، وكبُر على امتهان جمع الفضلات من الحاويات والمصبات بعد أن توفيت أمه التي ربّته من شدة جزعها وخوفها عليه حين تعرض الى حادثة أسالت دم يده.
ويتوالى سرد التجارب المريرة التي جعلت كلا من « البرباشة » يعيش ذلك الوضع الاجتماعي البائس منهم « الفيلسوف الشاعر » الذي رفض التفريط في حريته، واختار « الفقر والجوع على أن يحكمه أحد ».
وعبر المواقف التمثيلية والمداخلات الشعرية والغنائية التي أبدع في تقديمها أحد أبطال المسرحية، فقد طرح هذا العمل الذي أخرجه رياض الزواوي وتولى تأطير المشاركين فيه المسرحي حسام الغريبي مدير مركز الفنون الدرامية والركحية بالمهدية، عدة قضايا اجتماعية وسياسية. إذ مثل الحوار بين « البرباشة » والمسؤول عنها « سي الحضري » وسيلة لتمرير رسائل مفادها أن العمل هو السبيل الوحيد للحياة بكرامة مهما كان هذا لعمل محتقرا في نظر البعض، إلى جانب التعبير عن التمسك بالحرية والكرامة رغم قسوات الزمن، من فقر وجوع وبؤس ومرض وحروبات، فضلا عن الرسائل الموجهة للسياسيين والتي تضمنت تعبيرا عن رفض بيع الوطن لجهات خارجية تحت أي شكل من أشكال المسميات، وتنبيها لضرورة إيجاد حل للشباب للحد من اختيارهم « قوارب الموت » من خلال السفر عبر البحر بطريقة غير قانونية، ويكون مآلهم في غالب الأحيان هو الموت ووأد أحلامهم وأحلام عائلاتهم في تغيير أوضاعهم إلى ما هو أفضل.
المسرحية، عكست في جانب منها الحالة النفسية التي يعيشها هؤلاء المساجين، إذ جاء على لسان أحدهم أن « الاسم رقم، والتاريخ هو مدة العقاب، وأنهم لا يرون الشمس سوى نصف ساعة ويظلون على مدى فترة سجنهم يبحثون في ظلمات السجن ودهاليزه، عن صديق محتمل، ويتقصون أخبار البلد والأهل بكل شغف نظرا « لانقطاعهم عن العالم الخارجي » ، وقد كان انهمار دموع أحد الممثلين من أبطال العرض لافتا ويعكس مزيجا بين التحسر على ما فات، والفرح بما أنجزه في إطار ورشة المسرح وقد قوبل هذا العمل الفني بتصفيق وتشجيع جمهور أيام قرطاج المسرحية.
وعلى غرار بقية المشاركين في العروض السابقة لمختلف الوحدات السجنية بكل من برج الرومي ببنزرت والهوارب بالقيروان وقفصة وإصلاحية سيدي الهاني بسوسة، نال المشاركون في عرض « البرباشة » من سجن المهدية، شهادات من إدارة المهرجان وبتشجيع من الإدارة العامة للسجون والإصلاح لتكون حافزا لهم على مواصلة النشاط في المجال الثقافي إثر خروجهم من السجون وتساعد على إعادة اندماجهم في المجتمع.
وكان عرض المسرحية مسبوقا بتكريم مدير أيام قرطاج المسرحية حاتم دربال، من قبل الإدارة العامة للسجون والإصلاح، وقد عبر في كلمة بالمناسبة عن تقديره لجهود الفنانين والمودعين الذين ساهموا في تقديم العروض، وعن فخره بما يحدث في تونس من تغييرات إيجابية تبعث على الأمل، معتبرا أن تقديم عروض مسرحية من قبل مساجين تعدّ « تجربة رائدة واستثنائية ».

وات

بقية الأخبار

الميثاق-التحريري

مشروع إصلاح الإذاعة التونسية

مدونة-سلوك

الميثاق

تابعونا على الفيسبوك

فيديو