اقام الفنان التشكيلي الجزائري ذو 74 سنة رشيد القريشي حديقته لقبر الموتى من المهاجرين الذين يلفظهم البحر في بادرة انسانية نبيلة لحفظ كرامة الانسان وخاصة هؤلاء المهاجرين الذين لم تكن حياتهم سهلة ولا مماتهم سهلة ليكون من الواجب على كل من يحمل بذرة من الانسانية ان يكرمهم في مماتهم حسب قوله.

استغرق بناء هذه المقبرة 3 سنوات فقد صممت في هندسة متميزة وضمت فضاءات متنوعة على درجة عالية من الذوق بزخرفة « سيراميكها » وبلاطها والوانها الخضراء والبيضاء فخصص بها فضاء للعبادة واخر للتشريح واخر للتبريد يحتضن الموتى، ومخبر للتحليل الجيني وغيرها من المكونات التي اعطت لهذه المقبرة تفردها وخلقت الاستثناء عن غيرها من المقابر في كل مكان.
احتوت المقبرة 600 قبر امتلأ ثلثها في مدة وجيزة تنبئ بأنها بعد سنة وبضع اشهر ستمتلئ كل القبور بسبب تيارات الهجرة غير النظامية المتزايدة وحركة مياه المتوسط التي تتجه في معظمها نحو شواطئ جرجيس وهو ما دفع بالفنان رشيد القريشي الى التفكير في توسيعها بعد استكمال كل مكوناتها.
تولدت فكرة انشاء مقبرة بجرجيس لدى رشيد من ابنته الناشطة في مجال الاغاثة بلندن التي بثت فيه الشرارة الاولى وحركت سواكنه فتحول الى جرجيس سنة 2018 اين التقى برئيس فرع الهلال الاحمر التونس منجي سليم الذي سهل له عدة عقبات الى ان راى حلمه النور وشيد مقبرة تليق باشخاص ماتوا غرباء في وطن غير وطنهم تعبوا في طريق الهجرة عابرين الصحراء وخطر الميليشيات والسلوكيات العنصرية وفق تعبيره.
اعتبر رشيد القريشي ان هذه المقبرة هدية فامتنع عن الحديث عن تكاليف انجازها وما صرفه من اموال لتكون على الشكل والتصور الذي اراده لها في ذهنه كقصر يقبر فيه ضحايا الهجرة ومزارا لاهلهم عند زيارتهم للتعرف عليهم مهما طال الزمن مثلما رفض ان تكون دعاية له كفنان تشكيلي حسب رايه.
بناء حديقة افريقيا سبقتها تجربة اخرى لهذا الفنان التشكيلي بتركيز مقبرة بفرنسا تحت اسم حديقة الشرق التي وضعها لقبر 15 جزائريا من عائلة الامير عبد القادر كانت في حفرة جماعية اما في جرجيس فلهذه المدينة تاريخها مع قبر المهاجرين ضحايا الحلم باروبا سواء في مقبرة المسلمين او بمقبرة الغرباء التي وضعت على ذمتهم حاملة في احشائها مئات الموتى ولكل منهم قصة وماساة.