البث الحي

الاخبار : متفرقات

13151387_1697561987169671_2561236345946598536_n

سجالات على اذاعة تونس الثقافية : التحرّش والإدمان على « الإباحي » و أمراض الذكورة في تونس

إنّ منسوب العنف اللّفظي وما يعرف بالكلام القبيح و«الزائد» كما ينعته التونسيون ( وهو زائد فعلا) ومعدّلات الطلاق المرتفعة (حالة طلاق كلّ أربع ساعات، كما أوردت إحدى الصحف) ونسب الممارسة الجنسية للتونسيين والأطفال المولودين خارج إطار الزواج وحجم الإحباط والاحتقان النفسي ومظاهر التشدّد في السلوك واللّباس وتزايد المشاكل والاضطرابات الجنسية وظاهرة الإدمان على الأفلام والمواقع الإباحية «البورنوغرافية»(وهو معدّل أثبته محرك البحث غوغل في دراسة ألمانية حديثة) والجهل بالقواعد الأساسية للثقافة الجنسية.. كلّ هذه الأرقام والمعدّلات والظواهر تؤكّد دون شكّ وجود مشاكل يعيشها التونسيون في حياتهم الجنسية.
وانطلاقا من هذا التوصيف دار نقاش ثري احتضنته إذاعة تونس الثقافية  في حصة سجالات الاخيرة من أجل المساهمة في فهم هذه المشاكل وتقديم بعض عناصر الإجابة والحلّ لها وقد شارك في الحوار كلّ من «أحمد الأبيض» وهو طبيب وباحث في المسائل النفسية والاجتماعية، نشر كتبا منها «من أجل حياة جنسية انسانية ناجحة» و«فك شيفرة المشهدية الجنسية» و«الإشكال الجنسي في الواقع المعاصر»، والأستاذ «هشام الشريف» الباحث الاستشاري في الجنسانية البشرية والمختص في علم الجنس وهو وجه معروف بمشاركاته في نقاش هذه القضايا بمختلف وسائل الإعلام التونسية، و«فوزي العربي» الكاتب المسرحي والسيناريست الذي كتب نصّ «الصابرات» عن حياة المومسات والمشتغلات بالجنس، إخراج «حمادي الوهايبي» وإنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بالقيروان.
ماذا نقصد بالثقافة الجنسية؟
انطلق الحوار بتعريف المقصود بالثقافة الجنسية. فذكر «أحمد الأبيض» أنّ الثقافة الجنسية هي معرفة وليست درسا في الكلية. وهي معلومات منزّلة في إطار قيم المجتمع. ثمّ تدرّج في توضيح أهمية الثقافة الجنسية بالنسبة إلى البشر عموما. فأكّد أنّ أهمية هذه الثقافة ترجع أساسا إلى أهمية الجنس في حياة الإنسان. فالجنس جانب طبيعي في حياة البشر يهمّ كل الناس وذلك على خلاف جوانب أخرى يختلف الاهتمام بها من إنسان إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى أحيانا. وفي مجال الثقافة الجنسية الرّائجة  نجد الثقافة العالمة يقول «أحمد الأبيض» التي يقدّمها العلماء ونجد الثقافة غير العالمة أو الشعبية في الشفوي والدارج من الأفكار والآراء بين الناس. والمشكل يقول «أحمد الأبيض» أن جزءا كبيرا  من الثقافة الشعبية مصدره السماع وأكثره يأتي من الصورة ومن شبكة الأنترنات اليوم أين توجد الكثير من المواقع التجارية، القليل منها جدّي ويقدّم خدمات مفيدة وأغلبها تجاري خالص يعمل على الاستثمار في هذه الصناعة المربحة.
وتدخّل «هشام الشريف» ليؤكّد أن الثقافة الجنسية ليست لمراقبة الجنس أو استثمارا في التجاري والربحي. وإنما هي معرفة تحتاج إلى اختصاص وإدراك لأهمية الجوانب البيداغوجية حتّى تحقّق دورها في الإنارة وليس في الإثارة و في التعرّف على المباح في الحياة الجنسية والجانب الإباحي الذي يمثل أحد أشكال إثراء الحياة الجنسية وتنشيطها وليس الإباحية كهدف تجاري خالص. ومشكلتنا نحن، كما يضيف «الشريف»، ليست في وجود تحديد للعمر الذي يسمح بالدخول إلى المواقع الإباحية وهو 18 سنة عالميا وإنما في وجود عقلية سائدة تدفع الشباب والمراهقين ممّن لم يصلوا  إلى هذه السن إلى دخول هذه المواقع وادعاء أنهم بلغوا تلك السنّ.
اللّهفة العربية على المواقع الإباحية
وتطوّر النقاش ليذكّر «فوزي العربي» في تدخّله بحجم مشاركة الثقافة العربية الإسلامية في «الجنسانية» سواء من خلال القرآن والسنة أو أبرز المصادر على غرار «ألف ليلة وليلة» وما كتبه أبو نواس والسيوطي والنفزاوي والتيفاشي وغيرهم. ونبه إلى أنّ العرب لم يكن لديهم حرج من طرح هذه القضايا حتّى قبل مجيء الإسلام. وفي رأي « العربي» فإنّ الدين هو الذي قنّن الجنس. وأما الثقافة الجنسية فهي اختراع حديث والدين الإسلامي عموما ليست لديه أية مشكلة مع الجنس والثقافة الجنسية. والإشكال صار مطروحا اليوم مع وجود نوع من الشيزوفرينيا والانفصام النفسي أو «النفاق» كما يقال. ثمّ استعرض بعض الأرقام والمعدّلات التي قدّمتها منظمة ألمانية حول صناعة الجنس في  العالم. ومنها أنّ في كل 39 دقيقة يتم إنتاج فيلم إباحي جديد في أمريكا، وأنّ في قائمة العشرة دول الأكثر إقبالا على المواقع الإباحية توجد أربع دول عربية إسلامية كبرى.
ثمّ استعاد «أحمد الأبيض» الكلمة ليقول مستدركا أنّه  بقدر ما تكون المعلومات التي يستقيها الشخص عن الجنس والثقافة الجنسية عموما مناسبة لثقافته القيمية يكون أكثر توازنا. وأشار إلى دراسة أنجزت في جامعة كامبريدج سنة 2014 بينت في نتائجها أن المدمنين على المواقع الإباحية لا يختلفون في أي شيء عن كلّ المدمنين الآخرين على المخدّرات أو غير ذلك. ونصح في تدخله بأهمية أن يقوم الأب والأم بدور إيجابي في إيصال الثقافة الجنسية بطريقة سلسة ومحبّبة حين يتصرّفان بعفوية داخل البيت عبر التعبير عن الحب المتبادل وأشكال المداعبة والملامسة الذكية والقبل. وعندما يكبر الأطفال يمكن اقتراح كتابات علمية وأدبية تساعد في إثراء ثقافتهم الجنسية بطريقة متوازنة. وهذا دون التغاضي عن دور مختلف الوسائل الإعلامية. وأهمية أن ندرّب الناس على أن يكونوا ناقدين لبرامج تلفزيون الواقع التي تتاجر في أغلب الأحوال بآلام الناس وتقدّم لهم ثقافة سطحية غالبا. وأشار «هشام الشريف» من جهته  الى دور الدولة في نشر الثقافة الجنسية وأهمية أن تدرج  مادة التربية والثقافة الأسرية والجنسية في مختلف مراحل الدراسة الابتدائية والثانوية، وأن ينتدب لها معلّمون وأساتذة ممّن تلقّوا منهجيا الوسائل والأدوات البيداغوجية المناسبة لذلك. وفي تفاعل مع السؤال الخاص بمسؤولية المبدع في إشاعة ثقافة جنسية سليمة في العمل الفني ذكر «فوزي العربي» أنّ هناك ظاهرة نفاق سائدة في مجتمعنا، نفاق من الفنان ومن المتلقي أيضا. فكثيرا ما نرى التونسيين يقبلون بكثافة على فيلم قيل أنه إباحي. وفيما بعد تسمع منهم من يقول أنّ هناك مبالغة وأن ثمة ما يخدش الحياء وما يتعارض وقيمنا وما إلى ذلك من التعاليق التي تؤكّد وجود هذا النفاق وهذا الانفصام النفسي.. والمشكل أن بعض الفنانين في السينما والتلفزة أيضا صاروا  يستغلون  نفاق المتلقي ويقدّمون له ما يغذّي هذا الفصام في الإقبال على الممنوع والمرغوب. ولا ينبغي أن ننسى أن وراء الفنانين شركات إنتاج يهمّها أن يحتوي العمل على ما يضاعف الإقبال عليه ونجاحه تجاريا. وثمّة في هذا السياق لعب ذكي بل خبيث على ذلك الخيط الرفيع والصعب الذي يفصل الإباحي عن الإباحية والإيروتيكي عن البورنوغرافي حتّى في البلدان القوية ثقافيا ولها مجال حرية أكبر منا.
الاستثمار في المشهدية البورنوغرافية
واستأنف الدكتور «أحمد الأبيض» مسألة تعريف الجنس ليميّز بين كونه رغبة فردية طبيعية تحدّدها الهرمونات وبين كونه مجموعة رغبات يساهم الاقتصاد والمجتمع والثقافة في تضخيمها عبر ما يتاح من إمكانيات هائلة لتبذيرها استهلاكيا ومشهديا وتجاريا. ولإيضاح رأيه وبلورته ذكر أنّ باحثة تدعى «مارغريت» بيّنت  في دراسة أنتروبولوجية على قبائل الساموا أن المراهقة لديهم لا تدوم سوى أسابيع بينما هي تمتد لسنوات في مجتمعات متقدّمة. ويعود ذلك إلى أن هذه القبائل تسمح للأبناء والأطفال بمشاركة الكبار الخوض في القضايا كلّها بما في ذلك ما يتصل بالثقافة الجنسية ما يتيح لهم مجاوزة فترة المراهقة في وقت قصير. بينما يتم الاستثمار والاتجار بفترة المراهقة وإدامتها في المجتمعات المتقدّمة لحاجات ومصالح تجارية لا غير.
وفي تعليق على بعض الظواهر اليومية لاحظ «الشريف» أنّ كل الرؤوس تميل لمشاهدة المرأة الأكثر إثارة في مشيتها وجسدها ولباسها أحيانا. وهو ما يعبّر عن وجه من وجوه التحرّش الذي هو صورة من صور أزمتنا وجهلنا بأجسادنا وسوء فهمنا لجسد المرأة  وللثقافة الجنسية عموما. ومن علامات ذلك طبيا تصوّر أن العضو الذكري هو الأساس في العملية الجنسية بينما تبين علميا أن الأمور كلّها تحدث في المخ وأن للعامل النفسي تأثيرا حاسما في تنشيط «الأورقازم». وتدخل «فوزي العربي» مؤكّدا على أن الإنسان المعاصر المخترق بنسق الاستهلاك  صار ينظر للإنسان كقشرة، كموضوع استهلاك في تغييب كامل للجانب الروحي والعقلي والشخصي فيه. وما دمنا ننظر للمرأة كشيء، كبضاعة، فبإمكاننا أن نفعل بها ما نشاء وهو ما تعمل عليه أفلام البورنوغرافيا عموما وترسّخه في الأذهان.
وفي سؤال عن أهم المشاكل والاضطرابات الجنسية التي يعاني منها التونسيون ذكر «هشام الشريف» في تدخله أنّ أهمها العلاقة الحميمة. فالتونسي عموما لا يولي قيمة لهذا الجانب الجوهري في العلاقة باعتبار أنّ العلاقة الإيروسية قائمة أساسا على العلاقة العاطفية. وبسبب غياب هذه العلاقة العاطفية والإيروسية نجد  مشاكل النفور و القذف المبكر وعدم القدرة على الانتصاب أو الحفاظ على الانتصاب و البرود الجنسي لدى المرأة. وهذه مشاكل يوضح «هشام الشريف» وليست أمراضا. وهي اضطرابات سلوكية قبل أن تكون اضطرابات مرضية. ثمّ تدخّل الدكتور «أحمد الأبيض» مذكّرا بالحديث النبوي الذي رواه الديلمي «لا يرتمي أحدكم على زوجته كالبهيمة وليكن بينهما رسول، قيل وما الرسول قال القبلة والكلام». وقد انطلق منه ليؤكّد أن الجنس هو أحد تعبيرات الحب وليس التعبير الوحيد كما هو رائج. وبهذا التصور الرحب يقول «هشام الشريف» يمكن القول أن الحياة الجنسية عند الإنسان لا تنتهي سوى بموته. وأن «الإيلاج» ليس كلّ العملية الجنسية وإنما هو أحد مراحلها على أهميته. فهناك القبل بأنواعها وهناك اللّمس والمداعبة والالتحام وكل أشكال التلامس الجسدي والعاطفي الحميم. وجميعها من مكوّنات الحياة الجنسية للإنسان رجلا كان أو إمرأة.
ويؤكّد «أحمد الأبيض» هذا التصوّر بالقول أن الفاشلين في المجتمع و«المخصيين» هم من يقومون بالتعويض عن هذا النقص ببطولة وفحولة جنسية مفتعلة إما بالكلام القبيح وما أكثره وبافتعال حكايات وقصص يختلقونها. وهؤلاء يجدون غالبا أنفسهم في أفلام ومواقع تراهن على حاجتهم هذه وتستثمر فيها. ثم استطرد قائلا أنّ الإمام الغزالي قال أنه عندما يتم إشباع الرغبة يتفرغ الإنسان للعبادة و للحياة الاجتماعية، وذلك على خلاف «فرويد» الذي يتحدث عن الإعلاء وكيف يحوّل الطاقة الجنسية إلى أشياء أخرى ولذلك تبرز الحضارة بالنسبة إليه كنتيجة لهذا التحويل وهو ما يعارضه الغزالي حسب رأيه. وعليه فإن الحجاب ليس تغييبا للمرأة وإنما هو لباس يهيئها لدخول الفضاء العام والمشاركة في الحياة العامة بعد أن تم تحييد المعطى الإثاري فيها بلباسها الحجاب. ولمّا سئل، لم تمّ استثناء الرجل من وضع حجاب أيضا ذكر أنّ درجة الإثارة عند المرأة للرجل أكثر من درجة إثارة الرجل للمرأة.
وقد عارض «فوزي العربي» هذا الرأي مبيّنا كيف أن كثيرا من الممثلات صرن يستعملن الحجاب. وكيف صار في حدّ ذاته  وسيلة إغراء جنسية. «المهمّ بالنسبة إلي هو حجاب المعرفة» كما يقول «العربي». فهناك حقائق نخجل من ذكرها مثلا صورة الجنة وما يوعد به الشهيد مثلا من حور عين. وأشار «الشريف» إلى أن ما هو أخطر من الحجاب كوسيلة حماية نجد «ظاهرة التصفيح» التي تترك آثارا صحية خطيرة على المرأة وختم «الأبيض» كلامه بالقول «الرجل الذي لا يجيد حرير الكلام ماذا تبقى من رجولته؟».
كانت حصّة ثرية وجريئة حقا دونما اسفاف أو ابتذال ولعلّها ساهمت ولو بقدر في مجاوزة الكثير من اللّبس والجهل وسوء الفهم العالق بطرح هذه القضايا.
كمال الشيحاوي

التسجيل الكامل للحصة 

|

بقية الأخبار

الميثاق-التحريري

مشروع إصلاح الإذاعة التونسية

مدونة-سلوك

الميثاق

تابعونا على الفيسبوك

فيديو