البث الحي

الاخبار : الاخبار

fadhel-jaaibi

الفاضل الجعايبي يكتب : وقفة تأمّل ثمّ نحتفل

بمناسبة اليوم العالمي للمسرح ، كتب المخرج المسرحي و مدير عام المسرح الوطني التونسي الفاضل الجعايبي :

إلى المثقّفين والفنّانين التونسيين عامّة
والمسرحيين خاصّة

لن تحتفل تونس باليوم العالمي للمسرح هذا العام.
فنّانات وفنّانون، متفرّجات ومتفرّجون حرموا منه.
مسارح مغلقة، تظاهرات ملغاة، أعمال معلّقة، مشاريع محبطة، جمهور محجوز لن يحضر هذه التظاهرات السنويّة العريقة، لن يخرج من بيته ولن يواكب ولن يتمتّع ولن يناقش ولن يتواصل بأيّ صفة مع المبدعات والمبدعين التونسيين وكلّ الذين كانوا قادمين من أقاصي العالم.
فرّقهم وباء كونيّ خطير لم يتوقّعه أحد.
المسرح، هذا الفنّ الأب بامتياز، الذي يقف فيه الحيّ أمام الحيّ، ليتواصلوا حول فكرة لعبة رهان فرجة يتطهّر فيها الإنسان من أعماق مخاوفه البدائيّة ويتقاسم ضحكا وبكاء، هواجس وأحلام وآمال العالم.
إلى أن أحلّ بنا هذا الوباء الرّهيب ليمتحن وعينا ويقظتنا وصبرنا فقدرتنا على التصدّي والتّكاتل والتضامن أفرادا وجماعات يكون كالفاجعة الإغريقية ، يضعنا أمام وحدتنا ومسؤولياتنا، ويبعث فينا وعيا جديدا لا سابق له يحثّنا على تحدّي ما شاءته الظروف القاسية وارتكبته يد الإنسان الغافل أو الجاهل أو العابث.
كتب الفنّان الباكستانيّ شاهد نديم الذي أوكل له تحرير رسالة اليوم العالمي للمسرح لعام 2020: « الأوقات السيئة هي وقت إزدهار المسرح، فالأوقات السيئة تمنحنا الكثير من التحدّيات التي يجب مواجهتها والتناقضات التي يجب الكشف عنها، والواقع الذي يجب تخريبه ».
أنا متّفق معه لأنّ المحن تأسيسيّة، والأزمات الكبرى تكوينيّة وتوعويّة بنسبيّة الإنسان في الكون، ورغم ذلك بقدرته على التجاوز والإنتقال، فالإنتصار على السلبيّات والنقائص الكامنة فيه.
لعلّ هذه المحنة التي أزّمتنا وأحبطتنا وحرمتنا حتى من قوت عيشنا ومن تبادل أحلامنا وتقاسم أفكارنا وهواجسنا وتبادل تساؤلاتنا الكبرى مع أخينا الإنسان في كلّ مكان.
لعلّها – وهذا ما أتمنّاه – تكون وقفة تأمّل وأمل ومراجعة لمكتسباتنا الهشّة البالية وصمودا لمواجهة مصير فنّ هو في حالة إحتضار.
وجلوسا معا ومع سلطات الإشراف الثقافية أوّلا، والماليّة فالسياسيّة والتشريعية والإعلاميّة والتواصليّة ثانيا، لإعادة النّظر الكلّي في المشاكل الكبرى المتراكمة في هذا القطاع الخطير والمهدّد منذ عقود طويلة بالتراجع والإنقراض.
نمت ذات ليلة من هذه اللّيالي الحالكة، فحلمت بمسرح إكتضّ فيه مئات المتفرّجين الملثّمين المصطفّين على كراسي بين كلّ واحد منها كرسيّ شاغر وأمامهم على خشبة المسرح ممثّلون واقفون وعلى وجوههم قمائم، واقفون يحملقون في سكوت رهيب في المتفرّجين الملثّمين أمامهم جالسين… وكأنّ هؤلاء ينتظرون من أولئك تبادل حركة أو كلمة أو بصيص إبتسامة بلعتها القمامة في صمت لا ينتهي…
فأين الضحكة والقهقهة والتصفيق والتعليق والبكاء والتجاوب الصامت العميق؟
صمت لعلّ فيه إنتظار طال… لبعث بداية تآزر وتضامن وتلاحم مصيريّ للخروج من كوابيس هذه الكارثة الكبرى.
« المسرح – مثلما قال انتونان ارتو في شذرة له اوردها الصديق العراقي محمد سيف – يدفع البشر إلى أن يروا أنفسهم كما هم وهكذا يسقط القناع ويكشف الكذب والنّذالة والنفاق، إنّه يكشف للجماعات عن سلطانهم القاتم وقوّتهم الخفيّة ويدعونا إلى أن نتّخذ موقفا بطوليّا ساميا ».
أوجّه في هذه المناسبة العويصة باسم وباسم عائلتي وباسم زملائي وتلامذتي وباسم المثقفين عامّة والمسرحيين خاصّة، مع تهانيّ، نداء إلى الجميع بتحمّل عبء هذا الظرف القاهر الذي لا ريب فيه إن دام أن يزول يوما وأن نستيقظ من غباوتنا وغرورنا وأنانيّاتنا وأن نأخذ على عاتقنا مصيرنا ومصير من سيأتون بعدنا بإنقاذ هذا الفنّ العظيم من الإندثار، وبقدر ما هو واجب علينا المطالبة بحقوقنا، واجب علينا أكثر فرض حلول تخلّصنا من هذا الوباء الأخطر: الإنقراض والفناء.
عاش المسرح وعاش المثقّفون والفنّانون و المسرحيون كافّة
وعاشت تونس.

بقية الأخبار

الميثاق-التحريري

مشروع إصلاح الإذاعة التونسية

مدونة-سلوك

الميثاق

تابعونا على الفيسبوك

فيديو